[حينما يصوغ العارف الأديب معرفة النبي صلى الله عليه و سلم .. كأنك ما عرفته من قبل!؟]
ـ[خلوصي]ــــــــ[03 Mar 2010, 08:22 م]ـ
الكلمة التاسعة عشرة
من رسائل النور
رشحات
من بحر معرفة النبي صلى الله عليه و سلم
الرشحة الأولى:
إن ما يُعرّف لنا ربَّنا هو ثلاثة معرّفين أدلاّء عظام:
أوله
: كتاب الكون، الذي سمعنا شيئاً من شهادته في ثلاث عشرة لمعة (من لمعات المثنوي العربي النوري).
ثانيه
: هو الآية الكبرى لهذا الكتاب العظيم، وهو خاتم ديوان النبوة صلى الله عليه و سلم.
ثالثه
: القرآن الحكيم.
فعلينا الآن أن نعرف هذا البرهان الثاني الناطق، وهو خاتم الانبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه و سلم وننصت اليه خاشعين.
إعلم! ان ذلك البرهان الناطق له شخصية معنوية عظيمة. فإن قلت: ما هو؟ وما ماهيته؟
قيل لك:
هو الذي لعظمته المعنوية صار سطحُ الأرض مسجده، ومكةُ محرابه، والمدينة منبره ..
وهو امام جميع المؤمنين يأتمون به صافّين خَلْفَه ..
وخطيب جميع البشر يبيّن لهم دساتير سعاداتهم ..
ورئيس جميع الأنبياء يزكّيهم ويصدّقهم بجامعية دينه لأساسات أديانهم ..
وسيد جميع الأولياء يرشدهم ويربّيهم بشمس رسالته ..
وقطبٌ في مركز دائرة حلقة ذكر تركّبَت من الأنبياء والأخيار والصديقين والأبرار المتفقين على كلمته الناطقين بها ..
وشجرةٌ نورانية عروقُها الحيوية المتينة هي الأنبياء باساساتهم السماوية، واغصانها الخضرة الطرية وثمراتها اللطيفة النيّرة هي الأولياء بمعارفهم الالهامية.
فما من دعوى يدّعيها الاّ ويشهدُ له جميعُ الأنبياء مستندين بمعجزاتهم، وجميعُ الأولياء مستندين بكراماتهم. فكأن على كل دعوىً من دعاويه خواتمُ جميع الكاملين،
اذ بينما تراه قال: (لا إله الا الله) وادّعى التوحيد فاذا نسمع من الماضي والمستقبل من الصفّين النورانيين
– أي شموس البشر ونجومه القاعدين في دائرة الذكر – عينَ تلك الكلمة، فيكررونها ويتفقون عليها، مع اختلاف مسالكهم وتباين مشاربهم. فكأنهم يقولون بالاجماع:
((صَدَقت وبالحق نطقت)).
فأنّى لوهمٍ أن يَمدَّ يده لردِّ دعوىً تأيّدتْ بشهادات مَنْ لا يُحَد من الشاهدين الذين تزكّيهم معجزاتُهم وكراماتُهم.
...
.....
..........
ـ[خلوصي]ــــــــ[03 Apr 2010, 11:54 م]ـ
.
الرشحة الثانية
إعلم! إن هذا البُرهان النوراني الذي دلَّ على التوحيد وأرشد البشر اليه، كما أنه يتأيد بقوة ما في جناحَيه نبوةً وولايةً من الاجماع والتواتر ..
كذلك تصدّقُه مئاتُ إشارات الكتب السماوية من بشارات التوراة والانجيل والزبور وُزُبرِ الأولين (1) ..
وكذلك تصدِّقُه رموز ألوف الارهاصات الكثيرة المشهودة،
وكذا تصدِّقُه دلالات معجزاته من أمثال: شق القمر، ونبعان الماء من الأصابع كالكوثر ومجئ الشجر بدعوته، ونزول المطر في آن دعائه، وشبع الكثير من طعامه القليل، وتكلّم الضب والذئب والظبي والجمل والحجر،
الى ألفٍ من معجزاته كما بيّنها الرواة والمحدثون المحققون ..
وكذا تصدِّقه الشريعة الجامعة لسعادات الدارين.
واعلم! أنه كما تصدِّقه هذه الدلائل الآفاقية،
كذلك هو كالشمس يدل على ذاته بذاته، فتصدقّه الدلائل الأنفسية؛
اذ اجتماع اعالي جميع الاخلاق الحميدة في ذاته بالاتفاق ..
وكذا جمعُ شخصيته المعنوية في وظيفته أفاضل جميع السجايا الغالية والخصائل النزيهة ..
وكذا قوة إيمانه بشهادة قوة زهده وقوة تقواه وقوة عبوديته ..
وكذا كمال وثوقه بشهادة سيره،
وكمال جدّيته وكمال متانته،
وكذا قوة أمنيته في حركاته بشهادة قوة إطمئنانه ..
تصدِّقه كالشمس الساطعة في دعوى تمسّكه بالحق وسلوكه الحقيقة.
.......
...............
ـ[خلوصي]ــــــــ[11 May 2010, 06:28 ص]ـ
الرشحة الثالثة:
اعلم! أنّ للمحيط الزماني والمكاني تأثيراً عظيماً في محاكمات العقول.
فإن شئت فتعال لنذهب إلى خير القرون وعصر السعادة النبوية لنحظى بزيارته الكريمة e - ولو بالخيال - وهو على رأس وظيفته يعمل ..
فافتح عينيك وانظر! فإنّ أولَ ما يتظاهر لنا من هذه المملكة:
شخصٌ خارق،
له حسنُ صورة فائقة، في حُسن سيرة رائقة ..
فها هو آخذٌ بيده كتاباً معجِزاً كريماً،
وبلسانه خطاباً موجزاً حكيماً،
يبلّغ خطبةً أزليةً ويتلوها على جميع بَني آدم، بل على جميع الجن والانس، بل على جميع الموجودات!
فيا للعجب! ما يقول؟ ..
نعم! إنه يقول عن أمرٍ جسيم، ويبحث عن نبأٍ عظيم ..
إذ يشرح ويحل اللغز العجيب في سرِّ خِلْقة العالم،
ويفتح ويكشف الطلسم المغلق في سرِّ حكمة الكائنات،
ويوضِّح ويبحث عن الأسئلة الثلاثة المعضلة التي أشغلت العقول وأوقعتها في الحيرة، إذ هي الأسئلة التي يَسأل عنها كلُّ موجود .. وهي:
مَنْ أنتَ؟ ومِن أين؟ والى أين؟.
ـ[خلوصي]ــــــــ[23 May 2010, 08:33 م]ـ
الرشحة الرابعة:
انظر! إلى هذا الشخص النوراني كيف ينشر من الحقيقة ضياءً نوّاراً، ومن الحق نوراً مضيئاً، حتى صيَّر ليلَ البشر نهاراً وشتاءه ربيعاً؛
فكأن الكائنات تبدَّل شكلُها فصار العالَم ضاحكاً مسروراً بعدما كان عبوساً قمطريراً ..
فإذا ما نظرت الى الكائنات خارجَ نور إرشاده؛
ترى في الكائنات مأتماً عمومياً،
وترى موجوداتها كالأجانب الغرباء والأعداء، لا يعرف بعضٌ بعضاً، بل يعاديه،
وترى جامداتها جنائز دهّاشة،
وترى حيواناتها وأناسيّها أيتاماً باكين بضربات الزوال والفراق.
فهذه هي ماهية الكائنات عند مَنْ لم يدخل في دائرة نوره.
فانظر الآن بنوره، وبمرصاد دينه، وفي دائرة شريعته، الى الكائنات. كيف تراها؟ ..
فانظر! قد تبدّل شكلُ العالم،
فتحوّل بيتُ المأتم العمومي مسجدَ الذكر والفكر ومجلسَ الجذبة والشكر،
وتحوّل الأعداءُ الأجانب من الموجودات أحباباً وإخواناً،
وتحوّل كلٌ من جامداتها الميتة الصامتة حيّاً مؤنساً مأموراً مسخَّراً ناطقاً بلسان حاله آيات خالقه،
وتحوّل ذوو الحياة منها - الأيتام الباكون الشاكون - ذاكرين في تسبيحاتهم، شاكرين لتسريحهم عن وظائفهم.
¥