[إلى جنان الفردوس يا أبي الحبيب]
ـ[نعيمان]ــــــــ[06 Feb 2010, 10:19 م]ـ
ملاحظة ابتدائيّة: عنوان القصيدة دعاء له بأن يكون من أهل جنان الفردوس؛ لا قطع له بها؛ وإنّي لأرجو الحنّان المنّان أن يكون من أهلها؛ لما نعلم عن حاله. والله أعلم بحاله ومآله.
كنت مسافراً بعيداً بعد زمان وبعد مكان عندما جاءني نعيك يا أبي، في عاشوراء، فطرت إليك مسرعاً وحنيني لك يكوي أعظمي أسابق الريح على متن طائرة كنت أحس الساعات قروناً طوالاً، والثواني جمرات في دمي!
وقلبي يتمزق في داخلي، ودمعي يتفجر من مآقي، والدنيا مظلمة في عيني، حتى وصلت إليك والناس قد صلوا عليك في المسجد، ووضعوا جسدك المعطّر بانتظار قدومي لأصلي عليه في المقبرة، ثم نضعك في أحشاء الأرض – ويح قلبي – فوقفت عليك أرثيك وأخاطبك، وأشهد لك أمام الله تعالى شهادة الحق، وأردت أن أكشف وجهك لأرى النور فيه - كما وصفه لي مغسلك ومن كان معه، وأنك نائم مبتسم جسدك كالحرير - فلم أستطع، فتركتك لأنشغل بقبلات الناس الحرى التي كانت تلفح وجهي، ودموعهم تنساب من أعينهم، فبدل أن يواسوني فيك واسيتهم، وبدل أن يعزوني عزيتهم! فأي قلب قاسٍ يملكه ابنك المسكين في أحشائه يا حبيبي؟!!
وهاأنذا أهديك يا أبي وحبيبي بعد مماتك هذه النفثات الحرى،، وهيهات أن توفيك بعض حقك هيهات!!!! لكنها جاءت خربشات على غير هدى مني وترتيب، عفو الخاطر فسامحني وأنت الشاعر المُجيد، والأديب الرفيع، والمربي الكبير!!!
يا ربّ إن والدي اليوم ضيفك، وطالما أكرم ضيوفك على الدنيا، فأكرم مثواه في الآخرة.
يا ليلة العشر من مُحَرّمِ الحُرُمِ = زادت على غيرها في الفضل والشّمَمِ
موسى نجا من أذى فرعون ليلتها = كما نجا نوح من طوفان ذي العَرِمِ
وصام فيها رسولُ الله يومَ رضىً = فضلاً على منهج اليهود والعجم
جاءت بها كربلاء الدّمِ معلنةً = من مجرمين استباحوا حرمة الذممِ
وها على إثرها "جميلُ" فاجأنا = بفقده صاعداً في أمّةِ القِمَمِِ
أبٌ حبيبٌ به القلوب قد تُيّمت = يا لهف نفسي على أبنائه اليُتّمِ
لقد طواه الرّدى في روضةٍ عطرت = بين أحبته من أمّة الخيمِ
وكم بكته عيونُ القلبِ مخضلّة = حزناً ووجداً على حبيبها الهيّمِ
وكم قلوبٍ عليه نزفت حسرةً = على الذي كان وصّالاً إلى الرّحمِ
يا ليلة العشرِ من محرّمِ الحُرُمِ = ابكِ على العاشق المتيّم الصائمِ
القائمِ الليلَ ذكراً شاكراً ربّه = وقارئاً في كتاب ربِّه المنعمِ
والمنفقِ المالَ إحساناً وتكرمةً = من فجرِ عهد الصِّبا في دوحة الكرمِ
والقارضِ الشّعرَ يهدينا بدائعَه = والثغرُ ينشِده من قلبه الكلمِ
شِعْرٌ يفيضُ تقىً وطاعةً وهدىً = يجلو لنا من دُجانا حالكَ الظُّلمِ
شِعرٌ له في كتاب الشّوقِ أجنحةٌ = لأرضِ أهلٍ دهتها قبضةُ المجرمِ
مستنهضاً هممَ الأبطالِ في أمّةٍ = كانت زمانَ العلى من خيرة الأممِ
وهو المربّي لجيلٍ طاب مَغْرِسُهُ = ثقافة طاب فيها مغرسُ الأنْعُمِ
شمائلٌ حلوةٌ مكارمٌ جمّةٌ = جوارحٌ عَفَّةٌ زَكَتْ مِنَ القِدمِ
جموعُ أهلِ العُلا جاءت معزّيةً = بموتِ شيخٍ شريفٍ طاهرٍ عَلَمِ
جاءت تسابقُ أشواقاً مؤجَّجةً = ترجو بها رؤيةَ البَدْرِ الذي قد رُمي
يا والدي لو رأيتَ اليوم جمعَهم = معزياً فلذاتِ الكَبِدِ المُضْرَمِ
لأثلجَ الصّدرَ حُسْنُ سيرةٍ قد مَضَتْ = لوالدٍ فاضلٍ مُقَدَّرٍ مُكْرَمِ
العينُ تدمعُ، والقلبُ بكى حسرةً = والنّفسُ ترجو لك الفلاحَ في الموسمِ
أمّاه صبراً على موت الحبيبِ فقد = عَلا هناك علوَّ البَدْرِ بالأنجُمِ
بين جهادٍ وتعذيبٍ وسجنٍ مَضَتْ = منه ثلاثونَ عاماً تستحلّ دمي
فعاشَ بين شعابِ الصّبرِ مُحتسباً = وصابراً مثلَ أيوبِ النبيِّ المُكْرَمِ
أَنْعِمْ بزوجَتِهِ بِرّاً وتضحيةً = تحنو عليه حنوَّ العاشقِ المُغْرَمِ
وأختُه تُطلِقُ الصَّبْرَ الجميلَ رضىً = تُرضي بهِ قَدَراً أسمى من النّدمِ
فقد توارى "جميلٌ"، "أحمدٌ"، ولها = "مُحمَّدٌ"، في رياضِ النورِ لا الظُّلَمِ
هذا "جميلٌ"، ونِعمَ الشّيخُ، يَفجَعُنا = به الزّمانُ إذا امتدّتْ يَدُ العَدَمِ
يا والدي كم همومٍ كُنتَ تَحْمِلُها = عنّا، وكنتَ لنا خيرَ أبٍ قيِّمِ
يا والدي سوفَ أبكيكَ الزّمانَ، وكم = حُبّي لعينيكَ يَسْري في حنايا دمي
يا والدي ذِكْرُكَ الفوّاحُ يأسِرُنا = بما لأنْعُمِهِ من طاعةِ المُنْعِمِ
أرجو الإلهَ بأنْ يرعاكَ في رحمةٍ = تحنو على والدي المُكَرَّمِ المسلمِ
يا ربّ أدْخِلْهُ جنّاتِ الخلودِ ولا = تحْرِمْهُ من حُورِها، والخيْرِ والأنْعُمِ
أعِذْهُ من حَرِّ نيرانِ القبورِ ولا = تحْرِمْهُ من عفوِ ذي منٍّ وذي كَرَمِ
ثُمَّ الصّلاةُ على خيْرِ الأنامِ فقد = أهدى لنا سُنّةً وضّاءَةَ النُّظُمِ
توفّي الوالد الحبيب فجر السّبت:10/المحرّم/1426هـ- الموافق 19/ 2/2005م
وما يزال محفوراً في القلب وفي الذّاكرة، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون أن أراه في منامي رحمه الله تعالى.
ومن باب البرّ بالوالد الحبيب أنشرها هنا في هذا الملتقى المبارك. ولست أطلب تعقيباً عليها؛ ومن عقّب فله جزاءً الحسنى؛ إنّما نتذكّر بها أحبابنا الّذين نفقدهم فإنّ الشّجى يبعث الشّجى، وكلّه قبر والدي. مع الاعتذار لمتمّم بن نويرة -رحمه الله تعالى-
ورحم الله من فقدنا من أحبّائنا جميعاً.
¥