[خاطرة على هامش ندوة القراءات القرآنية والإعجاز الدولية]
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[08 May 2010, 01:53 م]ـ
تنبيه: ما سيتم سرده أدناه عبارة عن خاطرة شخصية تخلو من الفوائد العلمية المباشرة، فمن أحب فليكمل، أما الحارص على قيِّم وقته فأولى له الاتجاه لما يفيده.
متهالكا نهضتُ قُبيلَ الفجر، بعد ليلة قاسية ماعرفتُ هدأة الكرى فيها ولا ذقت غمضة ولا حتى سنة بل فما دونها، فالجهاز التنفسي في اضطراب شديد، والسعال المتواصل في سباق مارثوني عجيب، لا يخفف من حدته إلا استوائي جالسا، ولأني لم أنم سابقتها إلا في حدود الساعات الثلاث، فقد حاولت مرارا مباغتة حالة السعال والأرق الشديدين بانسلال وإغماض سريعين، ولكن الفشل الذريع صاحبني، ولا غرابة فقد نطقا بلسان الحال: إنَّا لك بالمرصاد. تشفعت بقلة النوم وضعف الجسم وكثرة الإجهاد بعد يومين شاقين لم يعرف الراحة إليهما سبيلا؛ دون فائدة.
شوقي الكبير للقاء أحبتي في ملتقى أهل التفسير وما أرتجيه من كبير فائدة علمية من العلماء والأساتذة الفضلاء المشاركين في الندوة، وما تزودت به من كمية لا بأس بها من أدوية مقوية ومهدئة، كل ذلك قوى عزيمتي وبعث ما تبقى من طاقتي، ورفع همتي، وبدد تثاقل خطوتي، فانطلقت وصديقي في الوقت المتفق عليه، فكان من أبكر المنغصات الناتجة عن سوء فهم صوَّغه اختلاف اللهجات، بين الأخ المعتمد عليه في معرفة الأوقات وتحديد التنقلات، والأخ الموظف في خط السكك الحديدية، وبدل أن يكون وصولنا في الوقت المحدد لمقر الندوة بالجديدة، اكتشفت أن ذلك الوقت يوصلنا لنصف الطريق أو يزيد قليلا، وزاد الطين بلة في وقت استعدادنا لا ستقلال القطار والانطلاق متوكلين؛ كعادتهم في السكك الحديدية انطلق المذياع معتذرا معلنا تأخر وصول القطار نصف ساعة وليتها كانت كذلك، حينها انقبضت نفسي، وعاد مرضي، " كأني لم أركب جوادا للذة. " ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفالي"؛ إلا أن روحي مابرحت تعاود نشاطها في جميل مناقشتنا ومتعة حديثنا وكبير استفادتنا من شيخنا وأستاذنا القدير الدكتور عبد الحق حنشي، الأستاذ بشعبة الدراسات الإسلامية بكلية آداب مكناسة الزيتون، فنسيت الضغط النفسي، والإجهاد الجسدي، وسبحان الله لو تواعدنا لاختلفنا، فقد كنت عشية اليوم السابق معه وكوكبة الأساتذة الأفاضل في الشعبة في حديث عن ندوة الاجتهاد الدولية التي ينظمونها (سأفصل الحديث عنها في موضوع مستقل)، وقد شرفني أساتذتي الأفاضل بنقل سلامهم لزملائهم وأصدقائهم المنظمين لندوة القراءات القرآنية، مصطحبا معي بعض الملصقات الإشهارية للتعريف بندوة الاجتهاد، واغتنمها فرصة هنا للتوضيح أن ذهاب صوتي كانعكاس طبيعي لحالتي الصحية وما كان يظهر فيه من بحة شديدة بالكاد تفيد المطلوب، فاكتفيت بإبلاغ وتسليم الملصقات لأخي الفاضل حبيب القلوب، الأريحي طبعا، الكريم سجية، الثاقب فهما، والمتبحر علما، أستاذنا الدكتور أحمد بزوي الضاوي، الذي لا تسعف الكلمات في إعطائه حقه ومستحقه من واجب الثناء والتقدير، ويكفيك أنك:
تراه إذا ما جئته متهللا = كأنك تعطية الذي أنت سائله
صعدنا القطار المنتظر بصحبة أستاذنا حنشي بعد تذمر الجميع من تأخره أكثر من الوقت المعتذر به والمعلن عنه، خاصة أن معظم الركاب لديهم التزامات ومواعيد نظموا وقتهم وتحركاتهم عليها، فأربكها هذا التأخير الزائد عن المتحمل، ومنهم شيخنا حنشي، المرتبط بموعد مع ديوان الوزارة في العاصمة الرباط، تأسفنا كثيرا لحالنا في دولنا العربية وحسدنا الدول الغربية الآخذين بأسباب السنة الكونية، المتأصلة في تعاليم ديننا الحنيف، وسرعان ما مضى الوقت الطويل كنتيجة حتمية لما أمتعنا به أستاذنا من طيب حديث وجم فوائد.
نزل استاذنا ماض إلى عمله، وأكملنا بكآبة مسيرتنا، وكما أسلفت نزلنا في محطتنا النهائية لتبديل القطار بالدار البيضاء (كازا بلانكا كما يحب البعض تسميتها) طبعا لا بد من الانتظار لما لا يقل عن ساعة حتى وصل القطار المستبدل، وكالمعتاد الوقت الفعلي لا يطابق المعلن.
بدأ صوت صرير أسناني يعكس حالة توتري، وهممت بالمعاتبة والتبكيت لصديقي المعتمد عليه اتفاقا بيننا بضبط المواعيد، إلا أن طيبته، وما أدركته من عدم استحصال فائدة تغير الوضع، فكتمت غيضي واحتسبت صبري.
وصل القطار المرتقب يتلوى كالأفعوان الشارف، زحفت الثواني بطيئة، وخيم الضيق، وارتسمت علامات الشحوب كاسية سائر تقاسيم الوجه المريض، وبدأت الآلام تحث الخطى في سُلامى الجسد المنهك.
و
صلنا برعاية الله المحمود أولا وآخرا سبحانه؛ استحييت من الاتصال بأستاذنا الضاوي، فبأي وجه أو ما تبقى منه أعتذر، بله أطلب وفائه بالتزامه بتكليف من يستقبلنا وينقلنا إلى مقر المؤتمر، ثم هو الآن في ذروة انشغاله (هنا تفاصيل لا أثقلكم بها). عموما يسَّر الله بفضله، من علمنا رفيع نفسه ومكانته الاجتماعية، وتكرم بإيصالنا إلى المقر، ودّعناه بامتنان، حاثين الخطى يصحبنا الحياء والإعياء.
دخلنا القاعة المكتظة، فانشرح صدري، واتسعت حدقتي، وابتهج خاطري برؤية الأحباب من جهة، وإدراك القسم الأخير من حديث شيخنا الحبيب العلامة اللبيب الدكتور عبدالله المصلح، إرباك خفيف طبيعي خلقه تأخر وصولنا المصادف وحديث الشيخ الجليل، فأنصت مصغيا لدرره فور استقراري، ولاحت مني التفاتة أمامية، سمح بها موقع جلوسي الغير متوقع، فإذا بناظري يقع على المهيب طلعة، والموهوب في العلم والجسم بسطة، أخي وأستاذي الحبيب الدكتور عبدالرحمن الشهري، حدقني بنظره برهة متأملا يعصر ذاكرته، فالوجه الذي يعرفه ورآه قبل سنتين ليس هو ذا الماثل أمامه، وكأني به يحدث نفسه: أهو هو. ابتسمت في أعماقي، فانعكست بسمتي ظهورا على شفتي، وأسارير وجهي، فطمأنته أني هو، فبادلني البسمة بأحسن منها، وكأني به ينصت لخواطر نفسي الجياشة محبة، وتقديرا له، وكل عظماء ملتقى أهل التفسير.
يُتْبَعُ في أقرب سانحة مواتية، راجيا الدعاء، معتذرا عن الإطالة.
¥