والحق الخالص أنه لم يقم دليل على منع القرب بين الجنسين في غير تهمة، لا بمسافة، ولا بزمن دون زمن، ولا بمكان دن مكان، والأصل في المسكوت عنه الإباحة، فكيف بما وردت فيه النصوص بالجواز، وإنما قال بتحريم الاختلاط من قال توسعا في العمل بقاعدة سد الذرائع، وبأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولم يلتفت القائلون بذلك إلى الآثار النبوية الصحيحة وأحوال الصحابة نساء ورجالا رضي الله تعالى عنهم أجمعين، حيث دلت أحوالهم المنقولة بالآثار الصحيحة على جواز الاختلاط في غير تهمة، إن القول بالتحريم تشدد وغلو وهو الذي لا تحمد عاقبته، وقد صحت النصوص بخلافه.
أما القول بالتحريم لفساد الزمان، فمردود بقوله تعالى: (قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم) وبقوله تعالى: (قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون)، فالحذر الحذر من المزايدة في هذا، فإن الله لا تخفى عليه خافية، وذلك ابتداع وضلال، والواجب أن يسلم المؤمنون لأحكام الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ولا يقدموا بين يدي الله ورسوله.
ومن المقطوع به أن الشريعة قد أتمها الله وبلغها رسوله عليه الصلاة والسلام كاملة، فيجب أن نؤمن بذلك ونؤمن بأنها صالحة لكل أحد ولكل زمان ولكل مكان، وإنما الواجب الحقيقي على الولاة والعلماء والدعاة والمربين تربية الناس بأحكام الشرع هذه؛ تعبدا لله وطلبا لمرضاته، فهذه هي التقوى الحقيقية، وذلك هو الأمان الحقيقي من الفساد وليس الغلو والتشدد أمرا صحيحا لمنع الفساد بين الجنسين.
أما من حرص على الأكمل من الجنسين احتياطا وورعا واختار لنفسه ما يصلح لها دون إلزام للآخرين به فهذا له، لكن الذي يجب أن يعلم أن التقوى شيء، والفتوى شيء آخر، والملاحظ هنا أن كثيرا من الناس إذا تربى على عوائد معينة ودار في فلكها صعب عليه الخروج من دائرتها الضيقة، وتأول النصوص لأجلها، وجهل الآخرين، وصادر اجتهاداتهم، وقدح في نياتهم، وسفه عقولهم، وهذه من أسوأ صور التقليد والانغلاق.
أما من عجزت نفسه عن العمل بأحكام الله، أو انقطع عقله عن فهم مقاصدها وحكمها، فلا نملك له أكثر من الدعاء له بالتوفيق والهداية ولعل بعضهم يصدق عليه قول الشاعر:
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا أحتاج النهار إلى د ليل
شغب الموتورين
ولقد شغب بعض الموتورين عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) على جامعة الملك عبد الله بصور فوتوغرافية ملفقة تبين من خلال الاطلاع على خصائصها أن مصدرها مواقع محجوبة مشبوهة، وقد تدخلت تقنية الحاسب في تزويرها، كما فصله بعض أهل المعرفة بالحاسوب، وهؤلاء المغرضون حسابهم على الله جل وعلا على ما لبسوا به على الناس.
وهناك مع الأسف العديد من المواقع المفتوحة لم تحجب تمتهن تسميم أفكار أبناء هذا الجيل، وتلبس على الناس دينهم، من خلال منتدياتها المغرضة، التي يجب ألا يتساهل في موضوع حجبها كغيرها من المنتديات الفاسدة التي انتهت بالحجب.
وبين هؤلاء مرجفون لا فرق بينهم وبين أفراد الفئة الضالة فمشكاتهم واحدة وخطرهم واحد، بل هم من يفرخ الإرهاب ويلهب حماس السذج، فلا أقل من أن يفعل نظام «مكافحة جرائم المعلوماتية» في حقهم طالما انطلقت أراجيفهم من مخالفة مواده، في مد للشر مستمر. وهذه الأراجيف التي نعق بها المغرضون، لا ينبغي أن ينخدع بها العقلاء والمنصفون، فإن المملكة العربية السعودية بيضة الإسلام، وشامة بين الدول في المحافظة على الحرمات، التي شك أهل الوسوسة وظن السوء في ثباتها عليها منذ بداية فكرة تعليم المرأة قبل أربعة عقود ونيف، ومنذ بداية الإفادة من الأنظمة الحديثة في تسيير شؤون الدولة، تطبيقا لقواعد الاستصلاح المعتبرة في الشرع.
وليوقن الكل حقا أن جامعة الملك عبدالله تأسست على قيم بلادنا الإسلامية التي أرسى دعائمها مؤسس هذه البلاد المباركة، وتجلى دستورها في نصوص الكتاب والسنة، وعمل أبناؤه البررة على نهجه من بعده، فلا يقبل أن يزايد على ذلك دخيل أو موتور؛ لأن المملكة ولله الحمد لم تقم رايتها منذ تأسيسها إلا على رعاية حرمات الشريعة معتقدا وعبادة وسلوكا وأخلاقا، فالحذر الحذر من خداع المرجفين، وكيد المغرضين.
والواجب علينا الالتفاف حول قادة هذه البلاد التي يأرز إليها الإيمان وأهله، فإنه الأمر المحكم الذي لا يجوز شرعا أن يحيد عنه الناصح لنفسه، والناصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تداعيات أمطار جدة
الأمر الملكي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين بشأن فاجعة أمطار جدة وضع النقاط على الحروف، وحسم الموضوع بقوة من كافة جوانبه، وكثيرا ما تكون المنح في المحن.
وأضاف: ما حصل في محافظة جدة من الجوائح التي تقضي بها سنة الله الكونية القدرية، وحصل أن غرق الحرم المكي، وطاف بعض الناس بالقوارب الصغيرة في صور متداولة إلى اليوم، كما جرف مكة المكرمة سيل عارم سمي بسيل أم نهشل ذكر المؤرخون أنه اقتلع مقام إبراهيم إلى أسفل مكة حتى أعيد مكانه، كما حصل غرق وهدم في بعض نواحي المدينة النبوية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع عليه الصلاة والسلام يديه فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا ... ».