فياسبحان الله! كيف أوجبوا له الشِّركة في العبادة وهي لا تملك نفعاً ولا ضراً ولا تجلب خيراً ولا تدفع شراً؟! ذلكم الله ربكم له الملك .. ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ*إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فاطر 13 – 14.
أيها المسلمون .. من اعتبر بمخلوقات الله الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته لا يتعلق قلبه بأموات ولا يرجو نفعاً أو يخشى ضراً من رفات، بل يعلق قلبه بمولاه الذي لا يكشف ضر المضرورين سواه .. الخالق الذي خلق الكواكب النيرات والرياح المسخرات والسحب الحاملات والبحار الزاخرات والأجنة في بطون الأمهات وخلق جميع المخلوقات ..
ومن فهم ما في هذه المخلوقات من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته ورحمته وحكمته لم يلجأ عند مرضه وشدته إلى ساحرٍ أو كاهن أو مشعوذٍ أو دجال يفسد عليه دينه وعقيدته، ولم يتعلق قلبه بحلقٍ يلبسها أو خيوطٍ يربطها أو تمائم يعلقها أو شاةٍ للجن يذبحها، بل يتوجه إلى الله .. بل يتوجه إلى الله .. بل يتوجه إلى الله بالطلب والدعاء والتضرع والرجاء والمسألة والنداء لأن الله هو النافع الضار ..
فعن أبي تميمة عن رجل من قومه: أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال: " أنت رسول الله؟ فقال: نعم، قال: فإلام تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده (أدعو إلى الله وحده) .. من إذا كان بك ضرٌّ فدعوته كشفه عنك، ومن إذا أصابك عام سنةٍ فدعوته أنبت لك، ومن إذا كنت في أرضٍ قفرٍ فأضللت فدعوته رد عليك؛ فأسلم الرجل " أخرجه أحمد وأبو داود ..
وإن يمسسك الله بضر .. وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام 17 – 18.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من البينات والحكمة ..
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.?
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران 102.
أيها المسلمون .. ومن تمكَّن وقارُ الله وعظمته وجلاله من قلبه لم يجترئ على معاصيه، ولم يتوثب على مناهيه .. وكيف يقدره حقَّ قدره، ويعظمه حق تعظيمه، ويوقره حق توقيره من هان عليه أمره فعصاه؟ وحقه فضيعه وتناساه؟ وقدَّم على طاعةِ ربه هواه؟ وآثر الدنيا على طلب رضاه؟ يستحي من الناس ولا يستحي من الله، ويخاف من نظر المخلوقين ويستخف بنظر الله، ويخشى الناس ولا يخشى من الله، ويطيع المخلوقين في معصية الله الذي لا يستحق كمالَ التعظيم و الإجلال والتألُّه، والخضوع والذل سواه ..
وأي فلاح وأي رجاء يرجوه من أغضب ربه الذي لا بدل له منه، ولا عِوض له عنه، ولا حول له ولا قوة إلا به؟ .. ولو كان العبد قوياً غنياً، ما يصنع العبد بعز الغِنى؟ والعزُّ كل العزِّ للمتقين .. من عرف الله فلم تغنه معرفة الله، فذاك الشقيُّ .. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً؟ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى طه 124 – 127.
¥