- (بعض) الفضلاء من الفقهاء والعلماء غفر الله لهم جميعاً يربطون بين حوادث الكسوف والخسوف وجوداً وعدماً بكثرة وقلة المعاصي والفتن!، فعلى سبيل المثال قولهم: (كثر الكسوف في هذا العصر فلا تكاد تمضي السنة حتى يحدث كسوف في الشمس أو القمر أو فيهما جميعاً، وذلك لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن…)!، وهذا الطرح نسمعه يتردد في خطب الكسوف والخسوف بل مطبوع ومسجل وهو ليس برأي شخصي ولو كان رأياً شخصياً لكان الأمر هيناً، ولكنه رأي يتناقله الخاصة والعامة وكأنه من مسلمات الشريعة التي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وليس الأمر كذلك.
*وأين تكمن المشكلة في الربط بين عدد حوادث الكسوف والخسوف والذنوب؟
- يترتب على الربط بينهما مفاهيم خاطئة وهي: أن كثرة المعاصي تستدعي كثرة حوادث الكسوف والخسوف، وقلة المعاصي تستوجب قلتها! .. وأن حوادث الكسوف والخسوف في هذا العصر أكثر من العصور التي قبله! .. وأننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة! .. وأن وقوع الكسوف العظيم يوم وفاة ابن الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق 29 شوال من عام 10ه كان بسبب كثرة الذنوب في المدينة! .. الي جانب أن ظاهرة الكسوف والخسوف لا تقع في الكواكب والأجرام الأخرى لعدم وجود بشر يذنبون! .. هذه جملة من اللوازم (المنكرة والعجيبة) تلزم من يقول بالارتباط بين الذنوب وحوادث الكسوف والخسوف.
*ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حصل الكسوف فزع ونادىا للصلاة؟
- هذا صحيح ونبينا صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون موت ابنه إبراهيم سبب الكسوف آنذاك، وفي الوقت نفسه لم يربط الكسوف بذنوب ومعاصي الناس، بقدر أن الظاهرة آية عظيمة مخيفة وتذكير من الخالق لخلقه أن يفزعوا إليه بالصلاة والصدقة والاستغفار والتكبير وعمل الصالحات وترك المنكرات.
* وما الجواب على المقولة المغلوطة السابقة؟
- الفلكيون قديماً وحديثاً يعلمون وقت حدوث الكسوف والخسوف في اليوم والساعة، بل وحتى في الدقيقة وفي مكانه وشكله وحجمه وهذا أمر واقع مشاهد فلا يمكن حسياً أن يحدث الكسوف في غير أوقاته المقدرة، وشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله قال: "الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة كما لطلوع الهلال وقت مقدر ... قال تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)، قال: "وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب …" أ. ه. وعليه أقول: إن القول بأن حوادث الكسوف والخسوف كثرت في هذا العصر بسبب المعاصي والفتن قول يحتاج إلى دليل شرعي أو حتى حسي، إذ ان الواقع المشاهد والمرصود لحوادث الكسوف والخسوف دل على خلاف ما ذكر، وكما أن عدد هذه الحوادث غير مرتبط بموت أحد أو حياته كما دلت على ذلك النصوص، أيضاً كثرة الكسوف وقلته ليست مرتبطة بالمعاصي والذنوب؛ كما هو الحال في بعض الحوادث الأرضية التي يمكن إيجاد ربط بينها وبين ذنوب البشر على ما دل عليه الشرع والواقع -والله أعلم-.
الدليل والحجة .. !
* وهل لديكم دليل شرعي يدعم ما ذهبتم إليه؟
- الذين يثبتون العلاقة بين المعاصي والكسوف والخسوف هم المطالبون بدليل صحيح وصريح، أما من ينفي فهو على الأصل وهو العدم حتى يقوم الدليل، ومع ذلك أقول الدليل الشرعي هو عدم وجود الدليل و-الله أعلم-.
* كيف لا توجد علاقة بين المعاصي والفتن وحوادث الكسوف والخسوف والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده)؟.
- شروق الشمس وغروبها آيتان، والليل والنهار آيتان، والأرض ودورتها آيتان، والبرق والرعد آيتان، والسماوات ونجومها آيات بينات، والآيات على ضربين كما قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله "منها مستمرة عادة؛ فيشق أن تحدث بها عبادة، ومنها ما يأتي نادراً فشرع للنفس البطَّالة الآمنة التعبد عند جريان ما يخالف الاعتياد تذكيراً لها وصقلاً لصدئها " أ. ه.، والكسوف (تخويف) في حد ذاته وليس (عقوبة) كما قال صلى الله عليه وسلم (يخوف الله بهما عباده) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " ... فذكر أن من حكمة ذلك تخويف العباد كما يكون تخويفهم في سائر الآيات " أ. ه، وقال
¥