لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
يقول الحافظ بن حجر في الفتح:" أي على سبيل القطع بذلك ... " وقال رحمه الله تعالى:" قوله: (قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله) أي يجرح وهذا طرف من حديث تقدم في أوئل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة باللفظ الأول ومن طريق الأعرج عنه باللفظ الثاني ووجه أخذ الترجمة منه يظهر من حديث أبي موسى الماضي " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " ولا يطلع على ذلك إلا بالوحي فمن ثبت أنه في سبيل الله أعطي حكم الشهادة فقوله " والله أعلم. بمن يكلم في سبيله " أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله "اهـ.
وجاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما اللون لون دم والريح ريح مسك".
يقول بن عبد البر رحمه الله في التمهيد:" وفي قوله عليه السلام "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" دليل على أن ليس كل من خرج في الغزو تكون هذه حاله حتى تصح نيته ويعلم الله من قلبه أنه خرج يريد وجهه ومرضاته لا رياء ولا سمعة ولا مباهاة ولا فخرا. اهـ
ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم:" قوله صلى الله عليه وسلم: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو، وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، قالوا: وهذا الفضل، وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار، فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة، وقطاع الطريق، وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك. والله أعلم "
ويقول الباجي رحمه الله في المنتقى شرح الموطأ:" ثم قال صلى الله عليه وسلم: والله أعلم بمن يكلم في سبيله على معنى أن هذا الحكم ليس على الظاهر أن من كان يقاتل في حيز المسلمين أنه ممن يقاتل في سبيله ويكلم في سبيله لأنه قد يكون في حيز المسلمين ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه ويقاتل للمغنم ولا يكون لأحد من هؤلاء هذه الفضيلة حتى يقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فتكلم على هذا الوجه فحينئذ يكون ممن يجيء يوم القيامة وجرحه يثغب دما يريد والله أعلم أن لون ذلك الدم لون الدم وريحه ريح المسك وهذا دليل على فضيلته وعلو درجته وما له عند الله من الثواب الجزيل " اهـ
فتأمل قوله (معنى أن الحكم ليس على الظاهر) فدل على أن الحقيقة حقيقة الشهادة لا يعلمها إلا الله وإنما نحن نقول يرجى له الله الشهادة إن شاء الله تعالى وذلك أن الحكم بالشهادة على شخص وكون مات شهيدا هذا حكم له بالجنة والحكم بالجنة يحتاج إلى دليل وهذا يؤيده ما في كلام الحافظ بن حجر السابق حيث قال رحمه الله تعالى:" " ولا يطلع على ذلك إلا بالوحي فمن ثبت أنه في سبيل الله أعطي حكم الشهادة فقوله " والله أعلم. بمن يكلم في سبيله " أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله ".
ويقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في شرحه على الطحاوية في إجابة على سؤال طرح عليه:" فإذاً الشهادة للمُعَيَّنِ بالجنة ممنوعة، وكذلك بما يَدُلُّ على أنه يُشهَدُ له بالجنة، مثل هذه الأسباب ونحوها.
من ذلك الشهادة له بأنه شهيد وقد جاء في صحيح البخاري بحث هذه المسألة، وبَوَّبَ عليها هل يقال فلان شهيد؟ وذكَرْ أثر عمر (إنكم تقولون لمن مات في معارككم فلانٌ شهيد فلانٌ شهيد، والله أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله، والله أعلم بمن يقتل في سبيله) ,لأنه هل كان يُقَاتِلُ يريد أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى؟
هذا أمر غيبي فلذلك لا تجوز الشهادة لمعين؛ لكن نرجوا له، من مات في أرض المعركة نرجوا له الشهادة، نقول نرجوا له أن يكون شهيداً وهذا تبع للأصل أننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.
¥