وعيب هؤلاء أنهم لم يعرفوا أمتهم، ولم يقدروها قدرها، حسبوا أنها أمة بلهاء، وأن علماءها من المغفلين، الذي تروج عليهم الأباطيل ويخدعهم السراب، وجهلوا أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، هذا ما أثبته القرآن وما أيدته السنة وما صدقه التاريخ.
أما القرآن فهو يقول (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)، الأعراف: 181، فهذه الآية باقية ما بقيت الحياة، وبقي الناس، وكما قال تعالى (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين) الأنعام: 89.
وأما السنة فقد استفاضت الأحاديث الصحاح عن عدد من الصحابة لا يتصور أن يتواطأوا لا هم ولا من روى عنهم على الكذب على رسول الله. كل هذه الأحاديث تبشر الأمة بأنه "لا تزال طائفة منها قائمة على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك".
وتسمى هذه الطائفة عند العلماء (الطائفة المنصورة)، فهذه طائفة تمثل صمام الأمان للأمة، تعلم الجاهلين، وترد الشاردين، وتقوم المنحرفين حتى تقوم الساعة.
وأما التاريخ، فقد صدق القرآن العزيز وصدق السنة المطهرة، ولم يخل عصر من علماء يقاومون البدع ويحاربون الباطل، كما قال علي رضي الله عنه "لا تخلو الأرض من قائم لله بالحجة"
وكما قال شوقي رحمه الله:
إن الذي خلق الحقيقة علقما = لم يخل من أهل الحقيقة جيلاً
ولكنّ هؤلاء المجددين المزيفين جهلوا القرآن وجهلوا السنة وجهلوا التاريخ. وهؤلاء وأمثالهم هم أدعياء التجديد في عصرنا، ولكنهم للأسف لهم صوت مسموع، ولواء مرفوع. إنهم الذين سخر منهم أديب العربية والإسلام مصطفى صادق الرافعي حين قال عن أمثالهم: إنهم يريدون أن يجددوا الدين واللغة والشمس والقمر.
وهم الذين سخر منهم أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته عن الأزهر فقال:
لا تَحذُ حَذوَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ = يَجِدونَ كُلَّ قَديمِ شَيءٍ مُنكَرا
وَلَوِ اِستَطاعوا في المَجامِعِ أَنكَروا = مَن ماتَ مِن آبائِهِم أَو عُمِّرا
مِن كُلِّ ماضٍ في القَديمِ وَهَدمِهِ = وَإِذا تَقَدَّمَ لِلبِنايَةِ قَصَّرا
وَأَتى الحَضارَةَ بِالصِناعَةِ رَثَّةً = وَالعِلمِ نَزراً وَالبَيانِ مُثَرثِرا
إننا نؤمن بالتجديد إذا كان تجديداً حقاً، ونرحب بالمجددين إذا كانوا مجددين صدقاً، أما هؤلاء الذين ذكرنا نماذج لهم، فإن ما دعوا إليه لا يدخل في باب التجديد، بل هو من باب الهدم والتبديد.
إننا نرفض هؤلاء المبددين بقدر رفضنا دعاة (التقليد) و (التجميد) الذين يريدون أن يبقى كل قديم على قدمه، ولا يرحبون بأي اجتهاد جديد أو فكر جديد، شعارهم: ما ترك الأول إلى الآخر شيئاً .. وليس في الإمكان أبدع مما كان.
نحن نرفض الذين يريدون أن يجرموا على الناس أن يفكروا بعقولهم، وأن يجتهدوا لزمانهم، كما اجتهد السابقون لزمانهم، ونرى أن هؤلاء الجامدين يسيئون إلى أنفسهم، وإلى الدين، الذين يزعمون أنهم يتكلمون باسمه، وهذا الدين ليس فيه رجال كهنوت، ولا اكليروس، إنما فيه علماء قادرون راسخون مؤهلون لأن يردوا فروعه إلى أصوله، وأن يأتوا البيوت من أبوابها، ويستقوا المياه من منابعها النقية.
وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان في كتابه (لماذا تأخر المسلمون؟): إن الدين إنما ضاع بين جاحد وجامد، فالجاحد يضلل الناس بجحوده، والجامد يفتنهم بجموده.
المصدر:
http://www.qaradawi.net/site/topics/printArticle.asp?cu_no=2&item_no=1507&version=1&template_id=119&parent_id=13