تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأول: إنَّه ليس في حديث البخاري أنَّه يخفَّف عنه كلّ اثنين، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل بشارتها إيَّاه بولادته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقد ذكر ابنُ حجر أنَّه أعتقها أبو لهب بعد هجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم (40 - «الإصابة» لابن حجر (4/ 258).)، وروي أنَّه أعتقها قبل ولادته بزمن طويل (41 - «شرح الزرقاني» على «المواهب اللدنية» (1/ 259).).

الثاني: إنَّه خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدَّثه به.

الثالث: وعلى تقدير أنَّه موصول فالذي في الخبر رؤيا منام فلاَ حُجَّة فيه كما صَرَّح الحافظ ابنُ حَجَر (42 - «فتح الباري» لابن حجر (9/ 145).)، قال المعلمي رحمه الله: «اتفق أهلُ العلم على أَنَّ الرُّؤْيَا لا تصلح للحُجَّة، وهي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجَّة شرعية صحيحة» (43 - «التنكيل» للمعلمي (2/ 242).).

الرابع: إنَّ الرائي في المنام: له أَخُوهُ العباس رضي الله عنه وذلك بعد سَنَةٍ من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر ذكره السُّهيلي (44 - «البداية والنهاية» لابن كثير (2/ 273).)، ولعلَّ الرَّائي لم يكن إذ ذاك قد أسلم (45 - «الإصابة» لابن حجر (2/ 271).).

الخامس: إنَّ الخبر مخالِفٌ لظاهر القرآن والإجماع، قال تعالى: ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا? [الفرقان: 23]، ولقوله تعالى: ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا? [النور: 39]، وقوله تعالى: ?مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ? [إبراهيم: 18]، ولقد كان أبو لهب من أشدِّ الناس عداوةً للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ومُبالغةً في إيذائه، الأمر الذي يهدم ما سلف من الفرح به لو صحَّ ذلك، وقد ذكر القاضي عياض انعقاد الإجماع على أنَّ الكُفَّار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذابٍ وإن كان بعضهم أشدَّ عذابًا من بعض (46 - «فتح الباري» لابن حجر (9/ 145).).

السادس: وعلى فرض التسليم والقَبول جَدَلًا بأن خفِّف عنه لإعتاقه ثويبة بسبب ولادته وإرضاعه؛ فإنَّ هذا الأمر لا يخفى عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، كما لم يَخْفَ عنه تخفيف العذاب عن أبي طالب لأجل حمايته ونصرته، ومع هذا العلم لم ينقل عنه اتخاذ يوم مولده عيدًا، ولا أصحاب القرون المفضّلة بعده.

وأمَّا التوسعة على الفقراء بإطعام الطعام وغيرها من أفعال البِرِّ والإحسان إن وقعت على الوجه الشرعي فهي من أعظم القربات والطاعات، لكن تخصيصها على الوجه الذي لا يثبت إلاَّ بنصٍّ شرعيٍّ، إذا انتفى تنتفي المشروعية، عملًا بقاعدة: «إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ سَقَطَ الفَرْعُ» (47 - وهذه القاعدة مطردة في المحسوسات والمعقولات؛ لأنّ الأساس إذا انهدم انهدم معه ما بُني عليه. [انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (119)، و «الأشباه والنظائر» لابن نجيم (134)].).

أمّا الدروس والعِبر والعِظَات وتلاوةُ القرآن والذِّكر والصلاة على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وقراءة سيرته وغيرها فإنَّما تشرع كلَّ وقتٍ، وفي كلِّ مكان من غير تخصيصٍ كعموم المساجد والمدارس والمجالس العامَّة والخاصَّة، وتسري عليها القاعدة السابقة: «إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ مَعَ إِمْكَانِهِ فَالتَّابِعُ أَوْلَى» (48 - عبّر عنها النووي بهذه الصيغة. انظر: «المجموع» للنووي (1/ 392).).

وإن أُريد بالدروس والعظات وقراءة سيرته إحياء الذكرى به فإنَّ الله تكفَّل برفع ذكره في الدنيا والآخرة على مدار الأزمنة والدهور، فيُذكر مع الله في الأذان والخُطَب والصَّلوات والإقامة والتشهُّد ونحو ذلك، فَقَصْرُ ذِكره في يومِ مولدِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم جفاءٌ في حَقِّهِ وتقصيرٌ في تعظيمه وتفريطٌ في توقيره ومحبّته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير