تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا باب يرغِّب في الدخول منه أناس، ويرغِّب عنه أناس، وأنا ممن يرغب في الدخول منه، وما عليك إذا كنت فاقهًا فاهمًا، أن تستمتع بأدب هذا الأديب، وتنعم بهذا اللون من الكتابة، حيث يكون الكاتب ممسكًا بأدواته وآلاته، فيأخذ قارئه إلى حيث يريد، بلا عناء ولا رهَق، يولِّد من المعنى معاني، ومن الفكرة صفحات، ومن الصفحات كتابًا، ويقص عليك حديث (أيامه) فيمتع، و (حديث الأربعاء) فيبدع، ويجدد ذكرى (المتنبي)، و (ذكرى أبي العلاء)، وله على السيرة (هامش) رقيق الحاشية، مزخرف الناحية، فقد كان الرجل أديبًا متأنقًا، صاحب لحون وفنون، ومبدع أصوات ونغمات. وقد سُمي بأخَرة حين طال به العمر، وامتدت به الأيام - عميد الأدب؛ إذ كان بقية أولئك المتقدمين، وآخر طبقته من الغابرين، وقد رجا له الحكماء أن يكون مات على نية صالحة، وتوبة ناصحة. ذلك باب: طه حسين.

* * *

وهذا باب سهل دخوله، هادئ جوه، قليل زحامه، نزر رُوَّاده ووُرَّاده، صاحبه باحث أديب، من كبار الكتاب، أجرى للأدباء من (فيض خاطره) نهرا، وأرخ للإسلام (فجرا وضحى وظهرا)، وأشرف على لجنة للتأليف والنشر دهرا، فأظهرت كنوزًا مخبوءة، وأبرزت دواوين مستورة. جعل من (حياته) مثلاً لكتابة سيرة النفس، ورسْم صورة الذات، بلا تكلف يعيب، أو تعمُّل يشين.

يعلمك الدخول من هذا الباب كيف تبتكر فكرة لمقالة؟ وكيف تخترع موضوعًا لبحث؟ وتعرف منه كيف يكون السهل الممتنع؟ وكيف يكون العلم خادمًا للأدب؟ وكيف يكون البحث مددًا للفن؟ هذا باب: أحمد أمين.

* * *

أراني قد أطلت عليك، وقراء هذا الزمان قليل صبرهم، كثير تبرمهم، ولكنك إذا دخلت حدائق هؤلاء، وكنت راغبًا في أدبهم، متذوقًا لفنهم، عارفًا بقدرهم، علَّموك الصبر على القراءة الطويلة الطويلة، ونسيت بما تعشَّقَتْ نفسُك من آدابهم كلل العين، وطول السهر، وثقل الكتب، لأنك تجد في عقلك أبوابًا كانت مغلقة ففُتحت، وفي نفسك دروبًا كانت مجهولة فعُرفت، وفي قلمك قدرة بالقوة انتقلت إلى الفعل، وفي بيانك طاقة كامنة خرجت إلى العمل.

إنك إذا قرأت هؤلاء - وحدهم وحدهم - صرت أديبًا، ولكنهم لن يتركوك حتى يأخذوا بيدك إلى أبواب الجنان، وحتى يدخلوا بك على ابن المقفع والجاحظ وأبي حيان، وتكون قد أُصبت بداء الإدمان، ووقعت في الأسر، واستولى عليك عمل السحر، تصيح بك الوالدة أو الأخت أو الزوجة: قد برد طعامُك! أو قد تأخر - يا فلان - منامك! فتسمع ولا تجيب، أو تسوِّف ولا تستجيب! تطلب الكتاب بعد الكتاب، ولا يُسْلمك فصل إلا إلى فصل، ولا باب إلا إلى باب، وتلك - لعمر الحق - رحلة ما لها من إياب!

وعسى أن يكون للحديث بقية، إن كان في العمر أيام.

24 - 3 - 2010

ــــــــــــــ

كتبت هذه الكلمة استجابة لطلب صديق أن أكتب في هذا المعنى، بعد صدور مجلة الرقيم على الإنترنت منذ أيام.

ـ[خلوصي]ــــــــ[30 Mar 2010, 04:18 م]ـ

لله درك يا سيدي!

ما أجملها من كلمات منسابة تمهد الدخول من تلك الأبواب الأدبية و فرسانها ..

و لكن ..

و لكنك أيها العزيز قد نسيت أجمل تلك الأبواب و أوسعها و أجمعها للناس على اختلاف أديانهم!؟!

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير