تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا لم نعرف من هو الشخص، فكيف نعرف هل هو عدل أم لا؟ ولو أبهمه بلفظ التعديل: كأن قال: أخبرني الثقة لم يُقبل، لأنه قد يكون ثقة عنده ليس بثقة عند غيره، إلا إذا عرفنا أنه لا يقول أخبرني الثقة إلا وهو يريد به شخصاً معيناً، مثلاً: الشافعي لا يقول: أخبرني الثقة إلا إذا كان الثقة هذا هو أحمد، ويعرف هذا بالتجربة وبالخبرة وبكلام الأئمة فإذا نصوا على ذلك كانت هذه حالة خاصة. وكذلك لو أبهم الصحابي في أي سند؛ مثلاً التابعي الثقة قال: حدثني رجل من الصحابة، فلا يضُر ولا يهُم؛ لأن الصحابة كلهم عدول. أما الاعتبار فهو أن يُنظر هل الراوي تُوبع على روايته أم لا فإذا روى حماد بن سلمة -مثلاً- حديثاً لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة فنظرنا هل رواه ثقة آخر عن أيوب عن ابن سيرين غير حماد بن سلمة، فهذه العملية (عملية النظر هل روى عن شيخ الراوي راوٍ آخر) هي عملية الاعتبار، ثم إذا لم نجد ننتقل للشيخ الذي بعده، هل وجد أحد روى الحديث عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم نجد عن ابن سيرين ننظر هل هناك أحد آخر روى الحديث عن أبي هريرة غير هؤلاء، فهذه عملية الاعتبار. أما الغامض: فهو الألفاظ المشكلة التي يخفى معناها فتحتاج إلى شرح لبيان الغريب والمشكل، ومن أحسن ما صُنف في هذا الباب كتاب: النهاية لابن الأثير رحمه الله تعريف العزيز والمشهور: عزيز بكم صبٌ ذليل لعزكم ومشهور أوصاف المحب التذلل س: ماذا انطوى عليه هذا البيت؟ ج: العزيز، المشهور. أما بالنسبة للعزيز: فهو ألا يرويه أقل من اثنين عن اثنين عن اثنين إلى منتهاه، وسمي عزيزاً إما لأنه عز برواية هذا وهذا فقوي، أو لأنه نادر أن يكون بهذه الطريقة أي: لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين إلى منتهاه، في كل طبقة من طبقات السند يوجد اثنان فأكثر. أما المشهور: فهو ما رواه أكثر من اثنين، وسمي بذلك لوضوحه. وبعضهم يقول: إنه المستفيض من فاض الماء، وسمي بذلك لانتشاره. وبعضهم يقول: إن المشهور ما زادت رواته عن ثلاثة. ولا يشترط في الحديث الصحيح أن يكون مشهوراً ولا عزيزاً، فقد يكون الحديث الصحيح غريباً فرداً، خلافاً لمن يشترط أن يكون في كل طبقة من طبقات السند اثنان فأكثر، فتسقط أحاديث كثيرة جداً، ونحن عندنا حديث: (إنما الأعمال بالنيات). رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صحابي واحد فقط وهو عمر بن الخطاب، ما عرفنا الحديث إلا من طريق عمر، ورواه عن عمر بن الخطاب تابعي واحد فقط؛ وهو علقمة بن وقاص الليثي، وما رواه عن علقمة إلا واحد وهو محمد بن إبراهيم التيمي. ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ومن يحيى بن سعيد الأنصاري انتشر الحديث، حتى إنه يقال: إنه سمعه منه مائتي شخص، لكن الحديث بصحابيه ومن بعده ومن بعده ومن بعده واحد واحد واحد واحد في طبقات السند، ومع ذلك فالحديث صحيح، فالحديث الغريب إذا كان رواته ثقات صحيح مقبول. تعريف الغريب: غريب يقاسي البعد عنكم وما له وحقك عن دار القلى متحول وذكر في هذا البيت الغريب، وهو ما انفرد بروايته شخص واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند، فهذا هو الغريب. السفاريني رحمه الله قال: إن المتحول هنا يمكن أن يقصد بها التحويل الذي في السند، التي تكتب أحياناً (ح) أي: تحويلة، وتعني: انتقال الراوي من سند إلى سند آخر، يلتقي بعد ذلك مع هذا السند وقد لا يلتقي ويكون الإسنادان منفصلين. يقول: إنني لم أر فيمن شرح من قبل القصيدة ذكر هذا، لكن يُحتمل أنه أراد الإشارة إلى التحويل الذي في السند. تعريف المقطوع: فرفقاً بمقطوع الوسائل ما له إليك سبيل لا ولا عنك معدل س: ماذا أورد هنا؟ ج: المقطوع، وهو ما أضيف إلى التابعي من قول أو فعل، وجمعه مقاطيع، ما ينتهي إلى التابعي وحتى من دونه من أتباع التابعين يسمى مقطوعاً؛ وهذا غير المنقطع بطبيعة الحال. العالي والنازل من الأسانيد: فلا زلت في عزٍ منيعٍ ورفعة ولا زلت تعلو بالتجني فأنزل س: ماذا ذكر هنا؟ ج: العالي والنازل من فنون المصطلح، والسند العالي لا شك أنه نعمة إذا كان صحيحاً، والسند العالي ما قلت فيه الوسائط، وإذا كان بين صاحب الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة كان ذلك أشرف من أن يكون بينهما أربعة، وأشرف من أن يكون خمسة وهكذا، وكلما قلّ الرجال في السند تقل مئونة البحث فيه وفي ضعفه، واحتمالات الخطأ فيه، فهذا العالي والنازل. فالإسناد العالي يعتبر محموداً إذا كان نظيفاً من المجروحين، وقد أحسن ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله لما قال: إذا أحببت تخريج العوالي**=**على الراوين حقق ما أقول نزول عن ثقاتهم علوٌ **=**علوٌ من ضعافهم نزول فإذا ذهبت تروي الإسناد العالي عن طريق ضعفاء ففي الحقيقة أنت ما علوت، وإنما نزلت. والمقصود بالعلو: العلو إلى النبي صلى الله عليه وسلم في السند؛ فالراوي مثلاً يذهب إلى شيخ شيخه ويسمع منه لكي يعلو إسناده، وقد يكون العلو إلى إمام مشهور، أو إلى كتاب من الكتب الستة، ولا شك أن أفضلها في العلو العلو للنبي صلى الله عليه وسلم. المقصود بقصيدة ابن فرح: أوري بسعدى والرباب وزينب وأنت الذي تُعنى وأنت المؤمل يقول الناظم: إنني استخدمت التورية وأتيت بأبيات ظاهرها الغزل، أو ذكر الحب ونحو ذلك، وما يُذكر في أشعار الغزل من سعدى والرباب وزينب وليلى ولبنى وعزة وبثينة ونحو ذلك، ولكنني أقصد شيئاً آخر، قال: فخذ أولاً من آخر ثم أولاً من النصف منه فهو فيه مكمل هذا لغز حله في البيت الذي بعده: أبرُّ إذا أقسمت أني بحبه أهيمُ وقلبي بالصبابة مشعل فما هو حل اللغز؟ فهو يلغز إلى كلمة واحدة؛ والكلمة هذه علم على شخص. لأنه في البيت الأخير قال: أبر إذا أقسمت أني بحبه أهيم وقلبي بالصبابة مشعل وكان قد قال قبلها: فخذ أولاً من آخر: أي: خذ أول كلمة من آخر بيت، وما هي أول كلمة من آخر بيت: (أبر) ثم أولاً من النصف: التي هي كلمة (أهيم). منه فهو فيه مكمل: فهذه الكلمة هي (إبراهيم). وبهذا نكون قد انتهينا من المرور على منظومة ابن فرح الإشبيلي بشرح العلامة السفاريني رحمه الله تعالى. اهـ

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير