تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن حفظ النصوص الشرعية في الإسلام وتفسيرها ليس حكرا على سلالة أو طبقة معينة من الناس كما هو الحال عند الهندوكية أو النصرانية بل هو حق متاح لكل من حصَّل العلم الشرعي حسب قواعده، وتوفرت فيه أهلية النظر والاستدلال، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو قبيلته أو عشيرته، وتاريخ المسلمين حافل بذلك، فهذا البخاري خرساني، ومسلم نيسابوري، والشاطبي أندلسي، والإمام نافع شيخ ورش فارسي الأصل من أصبهان، كان أسود شديد السواد، وأمَّ الناس في الصلاة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين عاما، وعاصر الإمام مالك وقرأ عليه الموطأ وقرأ مالك عليه القرآن.

هكذا كان علماؤنا، وتلك هي الشروط التي حددها الإسلام لبلوغ رتبة العالمية، أما من لم يحصل العلم الشرعي فلا يجوز له أبدا الخوض في هذا المضمار ولا اقتحام باب هذه الدار ..

ثم إن الشغل الشاغل للكهنة والإكليروس في الحكومة الدينية - حسب منظور العلمانيين - هو الخلاص في الآخرة ولا تهمهم إطلاقا حياة الناس الدنيوية، بل التبتل واعتزال الدنيا والانقطاع عنها يعد بالنسبة لهم من أعظم القربات وأجل الطاعات، وهذا أمر غير موجود في الشريعة الإسلامية فنصوص الوحي من الكتاب والسنة لم تتعرض لأمور الحكم والسياسة، ولا للتزكية والتربية والقضاء والاقتصاد فحسب، بل خصصت حيزا كبيرا ومجالا واسعا للحديث عما يحتاجه الإنسان في جميع مراحل حياته انطلاقا من كونه فردا في أسرة أو جماعة أو مجتمع أو دولة، وحققت توازنا فريدا بين الحقوق والحريات من جهة، والواجبات والالتزامات من جهة أخرى، فلا تطغى الأولى على الثانية، ولا تضر الثانية بالأولى، وحددت العلاقات بين المسلمين وغيرهم والعلاقات الدولية والاختراع والبناء والتعمير، فشملت في ذلك كل مناحي الحياة، واستحق هذا الدين أن يكون بحق خاتم الرسالات السماوية.

إن الحكومة الدينية في أوروبا وغيرها تختلف اختلافا جذريا عن الحكومة الإسلامية سواء في المثل العليا، أو في النظام الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، وسائر مناحي الحياة، وجعل هاتين الحكومتين متماثلتين جمع بين النقيضين وخلط بين الحق والباطل وتلبيس على الناس.

فكفى كذبا ومَينا وبهتانا، وترديدا لأقوال وشبهات يكذبها الشرع قبل العقل".

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير