تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يأتي إلى الطائف في إجازة الصيف، وكانت من أجمل الدروس في حياتي، تعلمت منها فضيلة المكث في المسجد والاجتماع على حلقات العلم وجمال البكور.

التحقت بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم، ودرست فيها المرحلة الابتدائية وبداية المرحلة المتوسطة، وكانت المدرسة النموذجية التي لم أجد ولم أسمع بمثلها، كانت تحتوي الطالب احتواء كاملا وتربيه على كل ما يتمنى الأب أن يكون عليه ابنه، ولو تحدثت عن تلك الأيام لما توقف الحديث، وقد أحببت الطائف وأهل الجنوب خاصة لما غرسته فيّ تلك الأيام من قِيم نبيلة.

انتقلت بعدها إلى مدينة الطهر والجمال مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعشت فيها أكثر أيامي تنوعا وتجربة، استكملت المرحلة المتوسطة والثانوية في مدارس تحفيظ القرآن الكريم ذاتها، ومع أنها لم تكن بمستوى مدارس الطائف إلا أنني عشت فيها أياما جميلة مع مدرسين وشيوخ أفاضل، وهي تفوق مدارس الطائف بالتركيز على حفظ القرآن بيد أن قصورها في جانب التربية.

وقد استعضت عن هذا القصور بالاتحاق بإحدى الحلقات القرآنية المميزة بتميز معلمها الشيخ الفاضل عبد القدير الشيخ –وهو عضو معنا في الملتقى-، إذ تعلمت منه بعد إتمام حفظ القرآن حبَّ العلم، والمزاحمة عليه بالركب، والحرص على الوقت، وكان يعيِّيني إماما في التراويح كل عام شئتُ أم أبيت! كما عَّرفني على ثلة مباركة من الشباب وجدت فيهم المثل الأعلى والقدوة المثلى، جزاه الله عني خيرا.

تخرجت من الثانوية وكنت أحد العشر الأوائل على المنطقة، وتقدمت إلى الجامعة الإسلامية التي طالما تمنيت الالتحاق بها، واخترت كلية القرآن الكريم ظانا أن تخرجي بتفوق من مدارس تحفيظ القرآن كفيل بقبولي فيها مباشرة، إلا أن النتيجة كانت محبطة، فلم أقبل، على وعد بقبولي العام القادم، صدمت حينها ولم أطق اصطبارا، إذ لم أجرب الإخفاق قط، ولم أتصور كيف سيكون حالي حين يذهب زملائي إلى الجامعات صبيحة أول أيام الدوام وأنا في المنزل!

جاءني القبول بعدها فالتحقت بكلية القرآن الكريم، وكان أثر السنة التي لم أدرس فيها كبيرا علي، تغيرت فيها نظرتي إلى كثير من الأمور، وأصبحت في شوق إلى مقاعد الدراسة، وكنت أرسم صورة مثالية لما ينبغي أن تكون عليه الدراسة الجامعية، إلا أني صدمت بواقع الحال، فلا الصورة ما صورت، ولا الدراسة كما حلمت، ولا الأخلاق كما تمنيت، إلا أن هذا لم يثنني عن التفوق، فتخرجت منها بمعدل عالٍ وعوضت النقص بالدروس الخاصة التي تمتاز بها المدينة المنورة، فالشيوخ هناك تجدهم في البيوت وفي الحرم النبوي يدرِّسون ما شئت من العلوم، وبجميع المستويات، وهذه مزية وخصيصة لا تكاد تجدها اليوم إلا في هذه المدينة المطهرة.

في آخر سنوات الجامعة أعلن قسم التفسير عن مواعيد التقديم لمرحلة الماجستير، وحدد موعدا للامتحان، فتقدمت، وكنت ضمن خمسة عشر طالبا من أصل خمسين –تقريبا- اجتازوا الامتحان بنجاح، ثم أجري اختبار حفظ القرآن فاجتزته كذلك، ولم يبق إلا ترشيحات أعضاء القسم، عندها فقط لم يعلن اسمي ضمن قائمة المرشحين!

لم يكن السبب منطقيا ولا موضوعيا، لكنني علمت بعد بذل كل الأسباب أنه اختيار الله لي وحسب.

لم أتقدم بعدها لأي قسم بسبب انشغالي –حتى اليوم- بأعمال أخرى، ومع ذلك لم أنقطع عن متابعة التخصص وأهله.

كانت المرحلة الجامعية مرحلة كثيرة الأحداث والمواقف والمراجعات العقلية والعلمية، زادها تنوعا المحيطُ الذي تتميز به الجامعة الإسلامية حيث تضم طلابا من كل قارات العالم، وبمختلف المشارب، فتبصرت بالمذاهب والفرق والمناهج الإسلامية، وعلمت أن أحسن السبل هو إحسان الظن بكل مسلم، وأن جمع الكلمة هو الأصل الذي يجب أن تبنى عليه جميع الأعمال والمشاريع، وأن الانطلاق يجب أن يكون من المتفق عليه لا المختلف فيه، والتمركز يجب أن يكون حول الإيجابيات، وأن التفاهم والتآخي ممكن لكل من أراده بصدق وسلك سبله بجد ونصح.

أعرف من نفسي حب الاكتشاف والتنوع، وكراهة الرتابة، ولذا حضرت الكثير من الدورات العلمية والتربوية والفنية.

أحَبُّ الأوقات إلي بعد الفجر، حيث أجدني في كامل التركيز والاستيعاب، وأنجز فيه ما لا أنجزه في غيره.

أفكر وأتأمل فيما أقرأ، ولا أهتم بختم الكتاب بقدر اهتمامي بما أستنبطه من معان وأفكار.

منطقي وأعتني بالمقدمات، وأكره العشوائية في الطرح، ولا أستطيع قراءة شيء حتى أعرف المقدمة التي بنى عليها كلامه، وترابط أجزاء الكلام ببعضها. ولذا أحب جدا تفسير ابن عاشور لظهور اهتمامه بهذا الأمر.

يستهويني الأدب، وأجد في الكتابة الأدبية الرصينة لذة خاصة، ويؤسفني غياب هذه اللغة عن الكتابات العلمية، إذ أصبحت تُكتب بلغة تقريرية لا جمال فيها ولا بلاغة، فليت شعري أين هي من كتابات محمود شاكر ومحمد كرد علي وشكيب أرسلان وغيرهم ممن إذا كتبوا حتى في الجغرافيا والسياسة وجدت لكلامهم رونقا وبهاء؟

أوَليس من جعل كتاب الله موضوعه هو أولى بجمال المنطق وفصاحة اللسان؟

أعلم أني أطلت، وخرجت كثيرا عن المقصود، ولكني كنت مضطرا لبعضه من أجل توضيح موقف معين .. و حديث الأحبة ذو شجون ..

الدمام

الخميس 29/ 5/1431هـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير