تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلتم أستاذي الحبيب: إنه بالإمكان إعراب كلمة (سبعين) بدلاً، حيث إنكم لا ترون إشكالاً في هذا الإعراب.

أقول: بلى، هناك إشكال، بل مخالفات، من جهة التفسير، والإعراب، وكذلك من جهة تعريف بدل الاشتمال.

أما من جهة التفسير، فقد أجمع المفسرون على أنَّ موسى اختار من قومه سبعين رجلاً من خيارهم، قال الفرّاء: التفسير أنه اختار منهم سبعين رجلاً.

وأما ما كان من جهة الإعراب، فإن (اختار) من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين: أحدهما بنفسه، والآخر بوساطة حرف الجرّ، ثم يُحذَف حرفُ الجرّ ويتعدّى إليه الفعل، فتقول: اخترتُ زيداً من الرجالِ، واخترتُ زيداً الرجالَ، قالَ الرَّاعِي يَمْدَح رَجُلا:

اخترتك الناسَ إذ رثَّت خلائقهم && واعتلَّ من كان يُرجَى عنده السولُ

يريد: اخترتك من الناس.

وجاء في اللسان في مادة (خير)، قال الفرزدق:

ومنَّا الذي اختيرَ الرجالَ سماحةً & وجوداً، إذا هبَّ الرياحُ الزعازِعُ

أراد: من الرجال، لأن اختار مما يتعدّى إلى مفعولين بحذف حرف الجرّ، تقول: اخترته من الرجال، واخترته الرجالَ، وإنما استجازوا وقوع الفعل عليهم إذا طرحت (من) لأنه مأخوذ من قولك: (هؤلاء خير القوم، وخير من القوم)، فلما جازت الإضافة مكان (من) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلاً، واخترت منكم رجلاً.

فقلت له: اخترها قلوصاً سمينة

وقال الراجز:

تحت التي اختار له الله الشجر

بمعنى: اختارها له الله من الشجر.

وقال أبو العباس: إنما جاز هذا لأن الاختيار يدل على التبعيض ولذلك حذفت (من).

ويتضح من هذا دلالة " الاختيار " على طلب " من " التي بمعنى التبعيض , ومن شأن العرب أن تحذف الشيء من حشو الكلام إذا عرف موضعه , وكان فيما أظهرت دلالة على ما حذفت. فهذا من ذلك إن شاء الله.

فتأسيساً على هذا يتبيّن جلياً أن كلمة (سبعين) لا يمكن أن تكون بدلاً.

وبالنسبة لتعريف بدل الاشتمال، فأقول ذكر الأستاذ محمد محي الدين في شرح (كتاب قطر الندى) ضابطاً لبدل الاشتمال: أن يكون بين الأول والثاني مُلابسةً بغير الجزئية.

وجاء في (شرح الكواكب الدرية)، أن يكون بين البدل وبين المبدل منه مُلابسةً بغير الجزئية والكلية.

وذكر الأستاذ / عباس حسن – رحمه الله – في (النحو الوافي) أنَّ بدل الاشتمال مقصود لتعيين أمر في متبوعه، وأنَّ هذا الأمر عرضيّ طارئ، وليس جزءاً أصيلاً من المتبوع.

فتبيَّن من ضابط بدل الاشتمال أن (سبعين) لا يمكن أن تكون بدل اشتمال من (قومه)، بل هي جزء من القوم، وهذا معنى كلامي سابقاً أنَّ المعدود لا يأتي بدل اشتمال.

وأودّ الآن أن أذكر لكم – أستاذي الكريم - مثالاً من نوع آخر لتتَّضح هذه المسألة، (ما تَعِبَ المتسابقونَ إلا متسابقٌ، أو: إلا متسابقان) ومعلوم أنَّه على وجه إعراب (متسابق، متسابقان) بدلاً، فإنَّ هذا البدل هو بدل بعض من كلّ، لماذا؟ لأنَّ المتسابق فرد أو جزء من كامل المجموع.

المفعول لأجله:

قال ابن مالك – رحمه الله -:

يُنصَبُ مفعولاً لهُ المصدرُ، إنْ && أبانَ تعليلاً، كـ " جُدْ شكراً ودِنْ "

فلم يشترط ابن مالك أن يكون المصدر قلبياً، وكذا ابن عقيلٍ في شرحه والخضري في حاشيته لم يشترطا هذا الشرط.

ونصَّ ابن هشام في كتابه (قطر الندى وبلّ الصدى) أنَّ المفعول له هو: المصدر المعلِّل لحَدَثٍ شاركه وقتاً وفاعلاً، ولم يشترط كونه قلبياً.

وذكر الزمخشريُّ في كتابه (المفصَّل): أنَّ المفعول له هو عِلَّة الإقدام على الفعل، وهو جواب (لِمَهْ)، ولم يشترط أن يكون قلبياً.

وكذا لم يشترط ابن الحاجب في كافيته هذا الشرط، وعرَّفه بأنه ما فُعِلَ لأجله فعلٌ مذكور.

وفي (الكواكب الدريَة): هو الاسم المنصوب الذي يذكر بياناً لسبب وقوع الفعل، ويشترط كونه مصدراً واتحاد زمانه وزمان عامله واتحاد فاعلهما، ولم يشترط أن يكون مصدراً قلبياً.

وفي مُلحة الحريري:

وهْو لعَمري مصدرٌ في نفسِهِ & لكنَّ جنسَ الفعلِ غيرُ جنسِهِ

وقال: المفعول له هو العلَّة في إيقاع الفعل، والغرض في إيجاده، ولا يكون إلا مصدراً، ولم يشترط أن يكون قلبياً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير