وأخيراً، قلتًم – أستاذي الفاضل – " قال الأستاذ حسن عباس (عباس حسن) في الجزء الثاني من النحو الوافي صفحة238 على هامشه: (ومن الزيادة (أي في شروط المفعول لأجله) أن يكون المفعول لأجله قلبيا، لأن هذا الشرط مفهوم من شرط آخر هو التعليل، إذ التعليل غالبا يكون بأمور قلبية معنوية لا بأمور حسية من أفعال الجوارح).
أقول: ذكر الأستاذ عباس حسن – رحمه الله ـ كلمة (غالباً)، فلم يشترط العموم، وصدق – رحمه الله _، فإن الغالب أن يكون مصدراً قلبياً، إلا أنه قد يأتي مصدراً من أفعال الجوارح.
ويمثِّل الأوائل للمفعول له: (ضربتُ ابني تأديباً)، فهل (تأديباً) مصدر قلبيّ؟؟
وساق سيبويه في شواهده، بيت حاتم الطائيّ:
وأغْفِرُ عَوراءَ الكريمِ ادّخارَهُ & وأعْرِضُ عن شَتمِ اللئيمِ تَكرُّما
فالمصدر (ادّخارَ) من الفعل (ادّخَرَ) ليس قلبياً.
وقرأت مثالاً في بعض المؤلفات الحديثة: (أخذتُ الدواءً عِلاجاً للمرضِ) فكلمة (علاجاً) مفعول لأجله، وفعلها ليس من أفعال القلوب.
وأصدق من ذلك كله قوله تعالى: (ونزَّلنا إليك الكِتَابَ تِبيانًا لكل شيءٍ وهدًى ورحمةً وبُشرَى لِلمسلِمينَ) النحل آية 89
تبيانًا: أي بياناً له، والتاء: للمبالغة , ونظيره من المصادر: التلقاء.
جاءت في موقع إعراب القرآن الكريم: على أنها مفعول لأجله ,
وقال الأستاذ محي الدين الدرويش في كتابه (إعراب القرآن الكريم): مفعول لأجله، أو حال، أي مبيّناً.
وجاء في كتاب (شفاء العليل): المفعول له وهو علة للفعل المعلل به، ونصب (تبيانًا) على المفعول له أحسن من غيره، كما صرَّح به في قوله تعالى: (وأنزلنا إليكَ الذكرَ لنُبيِّنَ للنَّاسِ ما نُزِّلَ إليهِم ولعلَّهم يتفكَّرونَ) آية 44، وقال تعالى: (وما أنزلنا عليكَ الكتابَ إلاَّ لتُبيِّنَ لهُمُ الذي اختلفوا فيه وهدًى ورحمةً لِقومٍ يؤمِنونَ) آية 66.
فعلَى هذا الإعراب المُحكم يكون هذا الشاهد دليلاً على جواز مجيء المفعول له مصدراً من أفعال الجوارح.
فاشتراط كون المفعول له مصدراً قلبياً مرجوح، والصواب عدم اشتراط ذلك.
ثمّ – زادك الله علماً ورِفعةً – رددتَ إعراب المصدر المؤول ((أن جاءه الأعمى)) مفعولاً لأجله.
أقول: ليس لمثلي أن يجتهد في إعراب آيات الكتاب العزيز، ولكني أنقل فقط كلام علماء التفسير والنحو، وقد قال به الطبريُّ والقرطبيُّ والشوكانيُّ،
وقال به الأشمونيُّ أيضاً في كتابه (منار الهدى، في بيان الوقف والابتدا)،
وقال أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسيّ في كتابه (مشكل إعراب القرآن): ((أن جاءه الأعمى)): مفعول لأجله، وقيل هي في موضع خفض على إضمار اللام، فقدّم المفعول لأجله، واستخدم صيغة التمريض للإعراب الثاني.
أما موقع إعراب القرآن التابع لمجمّع طباعة المصحف الشريف فقد جعل المصدر المؤول منصوباً بنزع الخافض، فهو ممَّن يرى أنَّ المفعول له يجب أن يكون مصدراً قلبياً وقد ذكرتُ سابقاً ضعف هذا الرأي.
ثمّ – بارك الله فيك – ذكرتَ ثلاثة أمور بشأن هذا المصدر (أن جاءه الأعمى)،
الأول: أنَّ اللام مع بعض حروف الجرّ تفيد التعليل مثل المفعول لأجله.
أقول: هذا صحيح، ولكن كون المفعول لأجله يبيَّن علة الفعل منفرداً، فلسنا بحاجة للاستعانة بحروف الجرّ لنصل لنفس النتيجة، وإبقاء الكلام على أصله هو الأولَى، إلاَّ لمن لا اشترط شرطاً زائداً في تعريف المفعول لأجله، فنقول له: افعل ما تراه هو الصواب.
ثانياً: نقلتَ كلام الأستاذ عباس حسن " (ج2 صفحة 238: (لكنه في جميع حالات جره لا يعرب اصطلاحا مفعولا لأجله وإنما يعرب جارا ومجروراً)."
وكأني بك تريد أن تؤكِّد أنَّ إعراب المصدر (أن جاءه الأعمى) منصوباً بنزع الخافض.
أقول: قد بيَّن – رحمه الله – بهذا الكلام أنَّ المفعول لأجله إذا استوفى الشروط جاز جرّه بحرف الجرّ، ففي تلك الحالة لا يُعرب – اصطلاحاً مفعولاً لأجله، وكلامه لا ينطبق على المصادر التي وردت بدون حرف جرّ.
¥