[المدير طلب مني خطبة مشكلة للاستسقاء، فهل تساعدوني؟]
ـ[سيوف الفجر]ــــــــ[18 - 10 - 2009, 11:49 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبتي أسعد الله صباحكم بكل خير
طلب مني مدير المدرسة خطبة للاستسقاء غداً الاثنين ... فقلت أطرح الموضوع بين أيدي الفصحاء ليشاكوا في الأجر ... فهل منكم من يستطيع ذلك؟
أترك الخطبة بين أيديكم:
أما بعد: فقد تكلمنا فيما مضى من خطب عن مجموعة من الكبائر والمعاصي، وبينا خطرها على دنيا المسلم وآخرته، فلا بد أن نتكلم عن الطاعات كما تكلمنا عن المعاصي، وقد قدمنا الكلام عن المعاصي قبل الطاعات لأن التخلية ـ كما يقولون ـ تكون قبل التحلية، أي: أن التخلي عن الأمور السيئة يكون قبل التحلي بالأمور الطيبة، وارتداء الثياب النظيفة يكون بعد نزع الثياب المتسخة وغسل الجسم وتطهيره، لهذا تكلمنا عن المعاصي في البداية وبينا ضررها لكي نتخلى عنها ونطهر أنفسنا ونزكيها حتى تتحلى بالطاعات أفضل تحلي، سأل رجل ابن الجوزي: أيهما أفضل: أسبِّح أم أستغفر؟ قال: "الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون منه إلى البخور".
لا بد لنا قبل أن ننطلق إلى ساحة الطاعات أن نفارق المعاصي وأن نقف في محطة الإنابة والاستغفار والندم على ما اقترفت أيدينا حتى يكون اتجاهنا إلى الطاعات نافعا، لا بد أن نقف في برزخ الندم والبكاء كي نتهيأ فعلا لتكاليف الطاعة، وكي نحمل هذا الدين حملا صادقا.
نتكلم اليوم عن أثر المعاصي وضرورة مفارقتها، ثم نتكلم في الخطبة القادمة بإذن الله عن الاستغفار وما يتبعه، ثم ننطلق إلى رحاب الإيمان وطاعة الرحمن وفضائل الأعمال.
المعاصي ـ إخوة الإيمان ـ ساحة للذل والهوان والشؤم والخسران، ولا يمكن لعبد يرغب في عز الدنيا ونعيم الآخرة أن يقر له في هذه الساحة قرار أو أن يرضى بهذا الجوار، فلا بد من هجران المعاصي والاستسلام لمن بيده القلوب والنواصي.
لا بد من مفارقة المعاصي لأن في الإقامة على المعاصي موت القلوب؛ فإن آثار المعاصي تتراكم على القلب حتى تطبع عليه وتميته، يقول سبحانه: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأعراف:100]، يقول الحسن كما في الدر المنثور: "الذنب على الذنب ثم الذنب على الذنب حتى يغمر القلب فيموت"، ويقول إبراهيم بن أدهم:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
لا بد من مفارقة المعاصي لأنها سبب لنزول عذاب الله على مرتكبيها وعلى الراضين بها والساكتين عنها، وهذه سنة الله في خلقه إذا كثرت فيهم الذنوب والمعاصي، يقول سبحانه: فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40]، وفي الحديث عن عائشة قالت: قال رسول الله: ((يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف))، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم إذا ظهر الخبث))، فلله بأس ـ أيها الناس ـ لا يُرد عن القوم المجرمين فاحذروا.
لا بد من مفارقة المعاصي لأن في المعاصي منع القطر من السماء ومنع البركة عن أهل الأرض، يقول سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَات ٍمِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، ويقول: ((ما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا)) أخرجه الطبراني عن ابن عمر، وقال مجاهد في قوله تعالى: وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ [البقرة:159] قال: "دواب الأرض تلعنهم وتقول: يمنع عنا القطر بخطاياهم".
¥