تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المبادرة والإسراع في الهرب من المعصية نجاة؛ لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه داعي الله سبحانه ومتى يهجم عليه الموت ذلك الغائب المنتظر، فلا بد أن يبكر في ترك مضارب أهل المعاصي والرحيل إلى مضارب أهل الخير والصلاح، وإلا دهمه العدو وضيع نفسه، يقول فيما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي موسى: ((مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق)).

فلنبادر ـ إخوة الإيمان ـ بترك ذل المعاصي وضنكها إلى عز الطاعات وراحتها، ولنشمر عن ساعد الجد لنيل مرضاة الله سبحانه، فلن يزيدنا الانغماس في المعاصي والإعراض عن طاعة الله وذكره إلا غما وضنكا، يقول سبحانه: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123 - 126].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأجارني وإياكم من خزيه وعذابه الأليم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

معشر المسلمين، أمر المعاصي أمر عظيم؛ لأنه يبعد الإنسان عن حياض النور وعن رحاب الرب الغفور، ولأنه يربك حياة الإنسان ويُضيِّع بركتها، فلا يستفيد الإنسان من حياته بشيء، حتى الفساد الذي يستشري في الأرض يكون سببه الأكبر وقسطه الأوفر من المعاصي التي يرتكبها الإنسان، يقول سبحانه: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

لهذا فإن الإنسان مطالب بأن يبتعد عن هذه المنغصات؛ ليصفو له العيش، وليتمكن من أداء أمانته في هذه الحياة. ولكي نتمكن من طاعة الله ومن البعد عن معصيته فلا بد أن نعرف جلال الذي نعصيه، لا بد أن نتفكر في هذا الخالق وفي نعمه علينا، لا بد أن ننظر إلى عظمته بدل أن ننظر إلى صغر المعصية، فإذا علمنا أننا نعصي الجبار المتكبر الواحد القهار أيقنا فعلا أننا أتينا أمرا عظيما وخطأ جسيما، قال بلال بن سعد: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت"، وقال بشر الحافي كما في حلية الأولياء: "لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه".

إن الإنسان يستحي في هذه الدنيا أن يراه الناس على معصية أو أمر مشين، ثم هو يقابل الله سبحانه بهذه المعصية ويجعله أهون الناظرين إليه، والله أحق بهذ الاستحياء، يقول كما عند أحمد من حديث بهز بن حكيم: ((الله أحق أن يستحيا منه من الناس)).

إن أثر المعصية يمس كل ما يحيط بالإنسان: أمنه واستقراره ورزقه، بل حتى فهمه وعلمه يتأثر بالمعصية فيضعف أو تضيع بركته، يقول سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ [البقرة:282]، فإذا اتقى الإنسان ربه وإذا ابتعد عن مساخط الله وعن معصيته يسر الله له سبل العلم والفهم والمعرفة، وإذا أدمن المعصية ذهبت عنه بركة العلم وفضله، يروى أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ليطلب العلم، ورأى مالك مخايل وعلامات النجابة والذكاء بادية عليه، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: "إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية".

فلنتق الله عباد الله، ولنجاهد أنفسنا وشهواتنا في ذات الله، ولنعلم أننا لن نضر بالعكوف على المعاصي إلا أنفسنا، ولن نضر الله شيئا.

أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى طاعته ومرضاته، وأن يجنبنا معصيته وغضبه ...

ـ[سيوف الفجر]ــــــــ[19 - 10 - 2009, 12:27 ص]ـ

عذراً منكم ولكن هذه هي الخطبة وليست السابقة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير