تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(4) لعل تعليق الاستاذ "عزالدين التنوخي" الذي حقق كتاب خلف الاحمر "مقدمة في النحو" يحمل دلالة خاصة على ما نحن فيه. فعندما اشار خلف الاحمر الى حروف العطف قال: "وقد ذكرها الخليل بن احمد في قصيدته في النحو، وهى قول الشاعر ... الخ" حينئذ يعلق عزالدين التنوخي على "قول الشاعر" قائلا (14): "وصواب التعبير أن يقال (وهي قوله) لعودة التعبير على متقدم ولعله اراد ان يشير الى ان الخليل كان شاعرا، وكان بالفعل شاعرا، والنحاة لا يذكرون ان له قصيدة في النحو، وان كانت كتب المصنفين، لا تذكر بأجمعها في اثبات مصنفاتهم، فعلى هذا تكون هذه القصيدة _ ان صحت نسبتها ~ هي من جملة ما ضاع من كتب الخليل".

هذا النص - على قصره يكشف عما يلي:

(أ) ان كتب المصنفين لا تذكر بأجمعها في اثبات مصنفاتهم، وعلى هذا فلا غرابة ان يكون للخليل تلك القصيدة النحوية دون أن تذكرها الكتب، وبالتالي دون نسبتها اليه.

(ب) ضياع جزء كبير من مؤلفات الخليل، وهذا واضح أيضا من خلال كتب التراجم والسير ومعاجم المؤلفين، وبهذا يمكن ان تكون تلك القصيدة النحوية قد طمرت حبيسة المجاميع اللغوية وغير اللغوية حتى كشف عنها الستار.

(ج) تكشف هذه القصيدة عن شاعرية الخليل بن احمد العميقة بأمثلتها الغزلية ومعانيها الرقيقة وابتعادها عن الاسلوب الجاف الذي يحكم المنظومات النحوية غالبا مما يجعلنا نميل الى تسميتها "قصيدة" لا "منظومة" ولعل هذا ما جعلها مطمورة ضمن أعمال الخليل الشعرية دون اهتمام من النحاة بها حيث انها دالة على شاعر يته لا على كونه ناظما او قائلا منظومة نحوية.

(5) من الادلة الواردة التي تثبت صحة نسبة هذه القصيدة الى الخليل بن احمد ألفراهيدي ما قاله صاحب كتاب "اتحاف الاعيان" (15) من ان للخليل عدة اشعار منها البيتان والثلاثة ومنها أكثر من ذلك، ثم قال: "ومن نظمه قصيدة في النحو أولها:

الحمد لله الحميد بمنه أولى وأفضل ما ابتدأت وأوجب

حمدا يكون مبلغي رضوانه وبه أصير الى النجاة وأقرب

واستمر المؤلف في ذكر قصيدة الخليل حتى البيت رقم 26 الذي يقول فيه الخليل:

فاذا نطقت فلا تكن لحانة فيظل يسخر من كلامك معرب

ثم قال بعد هذا البيت مباشرة (16) عن قصيدة الخليل النحوية:

وهي اطول من هذا يقول في آخرها:

النحو بحر ليس يدرك قعره

وعر السبيل عيونه لا تنضب

فاستغن أنت ببعضه عن بعضه

وصن الذي علمت لا يتشعب

واستمر في ذكر ما جاء عن الخليل، من اشعار أخرى مثل قوله:

يا ويح قلبي من دواعي الهوى

اذ وحل الجيران عند الغروب

اتبعتهم طرفي وقد أزمعوا

ودمع عيني كغيض الغروب

بانوا وفيهم طفلة حرة

تفتر مثل أقاحي الغروب

ولعل ذكر منظومة الخليل النحوية ضمن اشعاره في المؤلفات المختلفة لدليل على ما سبق وقلناه من ان ذلك كان سببا في عدم ظهور وكشف هذه المنظومة الشعرية للخليل، وايضا فان النص الوارد في كتاب "اتحاف الأعيان" لدليل على صحة نسبة هذه القصيدة للخليل بن احمد دون شك في تلك النسبة.

رابعا: الخليل وقطرب

لقد ذكر الخليل في منظومته النحوية (قطربا) (17) النحوي لا على سبيل التمثيل، بل ان ذكره تجاوز ذلك فقد ذكر الخليل رأيا لتطرب في باب "التاء الأصلية وغير الأصلية" أي ما آخره ألف وتاء دالا على الجمع حيث يشير الخليل الى انه اذا كانت التاء زائدة فانها تنصب بالخفض (بالكسرة) وهو المعروف لدينا جميعا بجمع المؤنث السالم مثل: عمات جمع عمة. اما اذا كانت التاء زائدة فان نصبها يكون بالفتحة وقد عبر الخليل عن الأولى بقوله: "فخفض نصبها" في قوله: (18)

والتاء ان زادت فخفض نصبها

ما عن طريق الخفض عنها مهرب

فتقول ان بنات عمك خرد

بيض الوجوه كانهن الربرب

اما الثانية -وهى التاء الزائدة - فقد عبر عنها بالنصب فقط مشيرا الى ان "قطربا" - كذلك -ينصبها يقول الخليل (19)

ودخلت أبيات الكرام فاكرموا

زوري وبشوا في الحديث وقربوا

وسمعت أصواتا فجئت مبادرا

والقوم قد شهروا السيوف واجلبوا

فنصبت كا أن أتت أصلية

وكذاك ينصبها أخونا قطرب

ويمكن ان يكون الأمر لا اشكال فيه لو انه ذكر "قطربا" في تمثيل لقاعدة ما، اما وان الامر هو نسبة رأي اليه فان الاشكال واقع من هذه الزاوية وهنا تثور في الذهن أسئلة كثيرة، اذ كيف يذكر الخليل (قطربا) وهو_ اي تطرب _ لم يتتلمذ على يديه؟ بل انه تتلمذ على يد أحد تلاميذ الخليل وهو سيبويه، الا يمكن يكون ذكر الخليل لتطرب مدعاة لان نشك في نسبة هذه القصيدة للخليل وانها منحولة عليه، فلم تذكر كتب التراجم والسير والتاريخ اية علاقة بين الخليل وتطرب، اضافة الى ذلك ان الخليل مات قبل موت تطرب باحدي وثلاثين سنة، هذا على شهرة تلك الرواية التي تذكر أن وفاة الخليل كانت عام 175هـ (20) ووفاة تطرب كانت عام 206هـ (21) فكيف يذكر الخليل "قطربا" مع وجود هذا الفارق الزمني بينهما - ويظل يقين نسبة القصيدة الى الخليل قائما، وهذا موطن التشكك الذي يهدم فكرة ان تكون هذه القصيدة من عمل الخليل.

ساورتني شكوك كثيرة، وانا في بادىء أمر تحقيق نسبة هذه القصيدة عندما كنت اعيد قراءة هذا البيت واسترجع تواريخ الوفاة بشكل خاص لكل من الخليل وتطرب وتلاميذ الخليل، لكن تأمل هذه التواريخ جيدا والاطلاع على طبيعة الحياة في البصرة في ذلك الوقت، بالاضافة الى عوامل أخرى، منها امور نصية، كل هذا هو الذي فك طلاسم المشكلة واضاء الطريق، بل واضاف الى كثيرا من الراحة لتحقيق نسبة هذه القصيدة الى الخليل، ولنتتبع مراحل هذا التحقيق فيما يلي:

يشير صاحب كتاب الاعلام، الى ان وفاة قطرب كانت سنة 206 هـ - 821م (22) على الرأي الاشهر، وكتب التراجم لم تشر الى انه تتلمذ على يد الخليل بن احمد، لكنها تشير الى انه تتلمذ على يد سيبويه، وسيبويه تتلمذ على يد الخليل، والخليل توفي عام 175 هـ - كما أوردنا سلفا - واذا كان الامر كذلك فلا لقاء متخيلا بين الخليل وقطرب، بل ليست هناك علاقة علمية مباشرة بينهما متخيلة او مجسدة، والحقيقة ان المتأمل في حياة تلاميذ الخليل يمكن أن يستنبط أشياء مهمة تغير مجرى التخيل او التصور الذي يطر أعلى الذهن من اول وهلة.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير