تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[جير]

ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[28 - 10 - 2002, 02:18 م]ـ

يقال (جَيْرِ) بالكسر كأمسِ، وقد يُفتح كأينَ، واختلفوا فيه على أقوال، فيل: حرف، وقيل: اسم، وقيل: اسم فعل.

وقد أشار سيوبه إلى (جير) في باب الظروف المبهمة غير المتمكنة (1)، وأشار السيرافي إلى أن سيبويه ذكر في الباب ظروفاً وغير ظروف من المبينات (2)، ولم يبين سيبويه ولا السيرافي حقيقة (جير)، وأكثر النحويين يذهبون إلى أن (جير) حرف بمنزلة (نَعَم). فإذا قلت: جَيْرِ لأَفعلنَّ، فكأنك قلت: نعم والله لأفعلن، وممن ذهب إلى ذلك أبو موسى الجزولي (3)، وابن يعيش (4)، وابن مالك (5)، والرضي (6)، وأبو حيان (7)، وابن هشام (8). فهي عندهم، حروف جواب، بمنزلة: إنَّ، وإي، ونعم، إلا أن القَسَم مع (جير) لا يجوز إظهاره بخلاف هذه الأحرف الثلاثة، فيجوز بعدهن إظهار القسم (9).

وقال بعض النحويين إنها مصدر بمعنى حقاً، فإذا قلت: جير لأفعلن، فالمعنى: حقاً لأفعلن، فهي عندهم، اسم متضمن معنى القسم (10)، وقال بهذا المالقي (11)، والمرادي (12).

وذهب ابن أبي الربيع إلى أن (جَيْر) اسم فعل حيث قال: " فأعدل الأقوال عندي القول الثاني، أن (جير) اسم فعل، ويكون بناؤه كبناء أسماء الأفعال، وحُرِّك بالكسر لالتقاء الساكنين، ولا يستعمل إلا في القَسَم، ولا يظهر معه القَسَم " قاله في البسيط 2/ 946

، ونسبه الرضي إلى عبدالقاهر (13).

وقال قوم: هو ظرف بمعنى: أبداً، حكاه ابن أبي الربيع (14).

وقد احتج أصحاب القول الأول بما يلي:

الأول: أن كل موضع وقعت فيه (جير) يصلح أن يوقع فيه (نَعَم) (15).

الثاني: أنها أشبه بـ (نعم) في الاستعمال (16)، ولذلك بنيت (17).

الثالث: أنها لو لم تكن بمعنى (نعم) لم يُعطف عليها في قول الشاعر:

أَبى كَرَمَاً لا آلِفاً جَيْرِ أو نَعَمْ * بأَحْسَنِ إيفاءٍ وأَنْجَزِ مَوْعِدِ (18)

ولا أكدت (نعم) بها في قول الشاعر:

وقُلْنَ ألا البَرْديُّ أَوَّلُ مَشْرَبٍ *نَعَمْ جَيْرِ إنْ كانتْ رِواءً أَسافِلُهْ (19)

ولا قوبل بها (لا) في قول الشاعر:

إذا يقولُ (لا) أبو العُجيرِ * يَصْدُقُ (لا) إذا يقولُ (جَيْرِ) (20)

وأما من ذهب إلى أن (جير) مصدر بمعنى (حقاً) فاستدل على اسميتها بامرين:

أولهما: أن معناها (حقاً). قال المالقي: " وما حَلَّ من الألفاظ المشكلة في الحرفية والاسمية محل الاسم حُكِم عليه بالاسمية، إلا إن قام دليل على حرفيته " (21).

وثانيهما: أنها قد نُوّنت في الشعر، مراعاةً لأصلها من الاسمية، كقول الشاعر:

وقائِلةٍ أَسَيْتَ فقلتُ: جَيْرٍ * أَسِيٌّ إنَّني مِنْ ذاك إِنّه (22)

وقد استدل ابن أبي الربيع على اسمية (جير) بأن التنوين قد سُمِع فيه، والحرف لا يلحقه تنوين، وجَعَل (جير) اسم فعلٍ، كما سبق، والفعل محذوف تقديره: أُحَقِّقُ أو أَتيقَّنُ، ثم حُذف الفعل وجُعل (جَيْر) اسماً له، كما فعلوا في شَتّان، وهيهاتَ، ونزال، وأسماء الأفعال يلحقها التنوين، كما قالوا: إيهٍ، بالتنوين، وهو تنوين التنكير (23)، ونُسِب إلى أبي علي الفارسي أن (جير) يجري مجرى الأصوات، وباب الأصواب كلها، والمبنيات بأسرها لا ينون، إلا ما خُص منها لعلة الفرقان فيها بين نكرتها ومعرفتها، فما كان منها معرفة جاء بغير تنوين، فإذا نكرته نوّنته، كما تقول: صَهْ، تريد السكوت، فإذا قلت: صهٍ فإنك تريد: سكوتاً (24).

وأما من ذهب إلى أنها ظرف بمعنى (أبداً) فلم أقف على حجة له. ويظهر - والله أعلم - أن القول الأول أقوى، وهو أن (جير) حرف جواب وتصديق، لأن الشواهد التي وردت فيها (جير) يحسن فيها تقدير (نعم) موقع (جير)، ولهذا بُنيت، لأنها حرف تشبه حرق الجواب (نعم). والدلالة التي استدل بها ابن مالك قوية في ترجيح هذا القول، وأما التنوين الذي ورد في (جير) فيمكن تخريجه على الضرورة (25)، فلا يترجح المصير إلى كونها اسماً بمعنى (حقاً)، لأنها لو وافقت (حقاً) لأُعربت، ولجاز أن تدخل عليها (أل)، كما أن حقاً كذلك (26)، فتتعين حرفيتها. والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير