و- أشرنا من قبل إلى وقوع: "أنَّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون - للترجى، فتشارك "لعل" فى تأدية هذا المعنى وتحتاج إلى جملة اسمية بعدها؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر ولا بد أ، يكون لها الصدارة فى جملتها. ولا يصح أن تسبك مع ما بها بمصدر مؤول؛ فهي تخالف "أنَّ" المفتوحة الهمزة، المشددة النون التى معناها التوكيد فى أمور: فى المعنى، وفى وجوب الصدارة، وفى منع السبك بمصدر مؤول.
الحالة الثانية:
يجب كسر همزة: "إن" فى كل موضع لا يصح أن تسبك فيه مع معموليها بمصدر؛ يجب الكسر فيما يأتى:
(1) أن تكون فى أول جملتها حقيقة، نحو: {إنَّا فَتَحْنا لك فتحاً مُبيناً}، وقول الشاعر يمدح محسناً:
يُخفِى صنائعَه، واللهُ يُظهرها
إن الجميل إذا أخفيته ظهرَا
وتعتبر فى أول جملتها حكماً إذا وقعت بعد حرف من حروف الاستفتاح؛ مثل: ألاَ، وأَمَا، نحو: ألاَ إن إنكار المعروف لؤم - أمَا إن الرشوة جريمة من الراشى والمُرتشى. ومثلهما الواو التى للاستئناف، كقول الشاعر:
وإنى شِقِىٌّ باللئام ولا ترى
شَقِيًّا بهم إلا كريمَ الشمائِل
وكذلك كل واو أخرى تقع بعدها جملة تامة.
فإن سبقها شىء من جملتها وجب الفتح، نحو: عندى أن الدّين وقاية من الشرور.
(2) أن تقع فى جملة الصلة، بحيث لا يسبقها شئ منها؛ نحو: أحترم الذى (إنه عزيز النفس عندى.)، وكذلك فى أول جملة الصفة التى موصوفها اسم ذات؛ نحو: أحِبُّ رجلا (إنه مفيد). وفى: أول جملة الحال أيضاً؛ نحو: أجِلُّ الرجلَ (إنه يعتمد على نفسه) وأُكْبِرُهُ (وإنه بعيد من الدنايا).
(3) أن تقع فى صدر جملة جواب القسم وفى خبرها اللام؛ سواء أكانت جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمرك إن الحذر لمطلوب، أم كانت فعلية فعلُها مذكور؛ نحو: أحلف بالله إن العدلَ لمحبوب. أو غير مذكور، نحو: والله إن الظلم لوخيم العاقبة.
فإن لم تقع فى خبرها اللام لم يجب كسر الهمزة إلا إذا كانت جملة القسم جملة فعلية فعلها محذوف؛ نحو: والله إن السياحة مفيدة.
يتضح مما سلف أن الكسر واجب فى كل الحالات التى تظهر فيها اللام فى خبر "إنّ". وكذلك فى الحالة التى تحذف فيها تلك اللام من الخبر بشرط أن تكون جملة القسم فعلية، قد حذف فعلها.
(4) أن تقع فى صدر جملة محكيَّة بالقول (لأن المحكىّ بالقول لا يكون إلا جملة، - فى الأغلب - بشرط ألا يكون القول بمعنى الظن). فتكسر وجوباً فى مثل: قال عليه السلام: (إن الدّين يُسْرٌ). ويقول الحكماء: "إن المبالغة فى التشدد مَدْعاةٌ للنفور"، (فقل للمتشددين: "إن الاعتدال خير")، وكذلك فى الشطر الثانى من بيت الشاعر:
تُعَيّرنا أنَّا قليلٌ عَدِيدنا
فقلتُ لها: إنّ الكرام قليلُ
فإن وجد القول ولم تكن محكية به بل كانت معمولة لغيره لم تكسر، نحو: أيها العالمُ، أخُصّك القول؛ إنك فاضل؛ أى: لأنك فاضل؛ فالمصدر المؤول معمول للام الجر، لا للقول. وكذلك لا تكسر إن كان القول بمعنى: الظن، بقرينة تدل على هذا المعنى فيعمل عمله فى نصب مفعولين. - نحو: أتقول المراصدُ أن الجو بارد فى الأسبوع المقبل؟ أى: أتظن (فتفتح مع أنها مع معموليها معمولة للقول؛ لأن القول هنا بمعنى "الظن" ينصب مفعولين فيكون المصدر المؤول منها ومن معموليها فى محل نصب يسدُّ مسدَّ المفعولين ... ).
(5) أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علِّق عن العمل، بسبب وجود لام الابتداء فى خبرها؛ نحو: علمت إن الإسراف لطريق الفقر. فإن لم يكن فى خبرها اللام فتحت أو كسرت. نحو: علمت إن الرياءَ بلاءٌ - بفتح الهمزة، أو كسرها.
(6) أن تقع خبراً عن مبتدأ اسم ذات؛ نحو: الشجرة إنها مثمرة وقد يدخل على هذا المبتدأ ناسخ؛ ومنه قوله تعالى: {إنَّ الذين آمنوا، والذين هادُوا، والصابئن، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا - إن الله يَفْصِلْ بينْهم ... }. زيادة وتفصيل:
ا- يَعْدّ بعض النحاة مواضع أخرى للكسر، منها: أن تقع "إنَّ" بعد كلمة "كلاّ" التى تفيد الاستفتاح؛ نحو: قوله تعالى: "كلاَّ، إن الإنسان لَيَطْغَى، أنْ رآه اسْتغنى ... ".
أو يقع فى خبرها اللام من غير وجود فعل للتعليق؛ نحو: إن ربك لسريع العقاب.
أو تقع بعد "حتى" التى تفيد الابتداء نحو: يتحرك الهواء، حتى إن الغصون تتراقص - تفيض الصحراء بالخير، حتى إنها تجود بالمعادن الكثيرة.
¥