ثم عقد الشيخ رحمه الله تعالى العزم على السفر ومواصلة الدارسة، فالتحق بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير في الفقه المقارن عام 1392هـ، وقد أخبرني أنه كان يدرس في نفس السنة التي دَرَسَ فيها الشيخ القدوة عبد المحسن بن حمد العباد البدر، وكان الشيخ يقول "كان يكبرني بكثير"، وكان يثني عليه ثناء عطرا، حتى إنه جاءه يوما أحد الطلاب وذكر له شيخا من المشايخ وفضله على الجامعة وغير ذلك، فقاطعه الشيخ بأدب قائلا:" لولا الله ثم الشيخ عبد المحسن العباد لما وجدت هذه الكليات في الجامعة"
وهكذا أهل العلم يعرف بعضهم لبعض حقه ومرتبته، ولا تخدعه الأيام ولا الشهادات في معرفة حق الكبير والعالم، ليس كحال من تزبب قبل أن يتحصرم، وأراد أن يطير من غير جناح.
بعد حصوله رحمه الله تعالى على الماجستير انتدب إلى كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية حيث صار مدرسا فيها عام (1392هـ /1393هـ)، ولكن همته لم تقف إلى هذا الحد حيث انتقل رحمه الله تعالى إلى طور الدكتوراه وتحصل على الشهادة من جامعة الأزهر في الفقه المقارن عام 1395هـ بتقدير مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة، وكانت دراسته تحت عنوان (ابن رجب وأثره في الفقه)، وقد رتب الكلام في هذه الرسالة على تمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة.
أما التمهيد فتحدث فيه عن عصر ابن رجب والأحوال التي مر بها.
وأما الباب الأول: فقد خصصه لحياة ابن رجب, وقسمه إلى ستة فصول:
الفصل الأول: نسبه وولادته ووفاته.
الفصل الثاني: نشأته وطلبه للعلم.
الفصل الثالث: صفاته.
الفصل الرابع: تحدث فيه عن شخصيته العلمية وحريته في البحث.
الفصل الخامس: شهادة العلماء له.
الفصل السادس: شيوخه وتلاميذه.
وأما الباب الثاني: فقد خصه لآثاره ومؤلفاته, وقسمه إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: مؤلفاته في الفقه.
الفصل الثاني: مؤلفاته في الحديث.
الفصل الثالث: مؤلفاته في التاريخ.
الفصل الرابع: مؤلفاته في العلوم الأخرى.
وأما الباب الثالث: وهو ما يتعلق بفقهه فقد رتبه على ثمانية فصول:
الفصل الأول: في وصف الفقه الحنبلي, وتحدث فيه عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول: خصوبة الفقه الحنبلي.
الأمر الثاني: كثرة الأقوال والروايات في مذهب أحمد.
الأمر الثالث: تحدث فيه عن نمو المذهب الحنبلي وأسبابه.
وفي الفصل الثاني: تحدث عن هدف ابن رجب, وبين أنه وقف نفسه لخدمة الإسلام.
وفي الفصل الثالث: عرض منهج ابن رجب في كتاباته عامه ومنهجه في الفقه خاصة.
وفي الفصل الرابع: بين فيه علاقة ابن رجب بالمذهب الحنبلي.
وفي الفصل الخامس: تحدث عن منزلة ابن رجب الفقهية, والمرتبة التي يوضع فيها من بين مراتب المجتهدين.
وفي الفصل السادس: تناول فيه عنايته بالاستشهاد بالآيات القرآنية, والأحاديث النبوية, والآثار السلفية, والشعر, وأقوال الأطباء.
وفي الفصل السابع: بحث فيه الأصول التي سار عليها في الاستنباط.
وفي الفصل الثامن: عرض ثلاثة نماذج لطريقة ابن رجب في دراسة المسائل دراسة فقهية مقارنة.
ثم بعد ذلك الخاتمة, وبين فيها نتائج البحث.
وكم وددت أن تطبع هذه الرسالة ويستفيد منها الطلاب، وكان الشيخ قد أهدى نسخته الأم إلى مكتبة الجامعة الإسلامية ولم تكن له نسخة غيرها، وكلما كلمته حول مسألة طبعها كان يسكت ولا يزيد على السكوت لبعده عن باب الشهرة رحمه الله تعالى.
هكذا بعدما حصل الشيخ على الدكتوراه عاد إلى المملكة وتقلد عدة وظائف علمية وإدارية كان أهلا لها، حريصا على خدمة ما وكل إليه بجد وإخلاص، ففي عام 1395هـ عُيِّن عميدا لكلية الشريعة إلى عام 1403هـ، وفي عام 1397هـ عين أستاذا مساعدا بكلية الشريعة فأستاذا مشاركا عام 1401هـ ثم رئيسا لقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية عام 1403هـ، ثم أمينا عاما للجامعة الإسلامية من آخر عام 1403هـ إلى 1406هـ ثم أستاذا في الدراسات العليا عام 1408هـ، ثم وكيلا للجامعة الإسلامية للدراسات العليا والبحث العلمي من عام 1416هـ حتى 1422هـ، وكان الشيخ رحمه الله تعالى قد تقلد لعدة مرات رئاسة قسم الفقه، ومرة واحدة رئاسة قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية.
¥