تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد، فقد بقيت لنا كلمة صغيرة بشأن التسويد والتبييض، وخط الأب وخط الابن: إن المصنِّف أبا القاسم لم يبيض التاريخ البتة، فهو كما قال عنه حفيده15: "حين فرغ من تسويده، عجز عن نقله وتجديده، وضبط ما فيه من المشكل وتحديده، فإن نظره قد كلّ، وبصره قد قلّ، فلم يزل والدي يكتب وينقله من الأوراق الصغار والظهور ويهذب .. ".

"سماع التاريخ"

وإذا كان فيما قلناه آنفاً بلاغ في دفع تلك الأوهام، فإن فيما سنقوله في الفقرة التالية طرحاً لحقائق جديدة لم يكشف النقاب عنها من قبل.

الصورة التالية التي سأعرضها قامت على تتبع مجالس السماع في مخطوط التاريخ ومطبوعة ولقد خرجت بنتيجة محددة: كان سماعان على المصنف، ثم سماعان على الابن من بعده، ثم عدة سماعات بعدهما. لكن السماعات الأربعة الأولى كانت كافية لتحكي لنا قصة التاريخ الكبير في ولادته وفجر طفولته في واقع الحياة.

1 - بدأ سماع التاريخ على المصنف في شهري ربيع من سنة (تسع وخمسين وخمسمائة سماعاً خاصا، ضم المصنف وابنه بمنزله، وأحياناً ستة أشخاص من خاصة أهله، في المنارة الشرقية بجامع دمشق، معتكف أبي القاسم.

ويلاحظ أن سماع القاسم على أبيه بقي ملتزماً حتى آخر الكتاب، وكان يتقدم السماع العام ببضعة أشهر، تبلغ ثمانية في بعض الأحيان على أن هذا الفرق الكبير بين السماعين قد انخفض في أواخر الكتاب، فصار شهراً أو بعض شهر.

2 - ثم كان السماع العام للملأ في جامع دمشق الكبير، وفق خطة مرسومة بأحكام: إنها ثلاثة مجالس في الأسبوع، في أيام: الاثنين والخميس والجمعة. يقرأ في يومي الاثنين والخميس جزء، وفي يوم الجمعة جزء [ويحسن هنا التنبه إلى أن الجزء عشرون ورقة]، وبذلك يقرأ في السنة الواحدة عشر مجلدات بالتمام والكمال. وبتنفيذ هذه الخطة تتم قراءة التاريخ –أي السبعة والخمسون مجلداً- في ست سنوات، وكذلك كان بإذن الله وتوفيقه.

افتتح السماع العام في جامع بني أمية في مطلع عام (ستين وخمسمائة)، وبالتحديد في الأسبوع الأول من المحرم، ليختم في نهاية العام ومطلع العام الجديد، عام واحد وستين، سماع المجلدة العاشرة.

ثم توالت السماعات تترى، في ظل هذا النظام الدقيق.

وفي عام (خمسمائة وخمسة وستين) كان سماع السبعة الأواخر من التاريخ، فقد تم سماع المجلد الثالث والخمسين في يوم (الجمعة، الخامس من ربيع الآخر) في ذلك العام. وتبقى المجلدات الأربعة الأخيرة، ولا يمكن أن يجاوز سماعها في هذا النظام أواخر العام المذكور.

وكذلك تم سماع التاريخ على مصنفه حسب الخطة المرسومة، من مطلع عام ستين وخمسمائة، إلى أواخر عام خمسة وستين وخمسمائة. ولقد كانت مجالس السماع العامة هذه حافلة، ضمت سبعين وأحياناً خمسة وثمانين، من فقهاء القوم وعلمائهم وأعيانهم.

3 - ثم كان السماع على القاسم ابن المصنف، بعد وفاة أبيه بثلاثة أسابيع فحسب: توفي أبو القاسم رحمه الله يوم الأحد بين العشائين في الحادي عشر من رجب سنة (إحدى وسبعين وخمسمائة)، وبدأ السماع على ابنه القاسم –وفي دار السنَّة مدرسة الأب- في يوم الأحد الثاني من شعبان سنة (إحدى وسبعين وخمسمائة)، واستمر حتى بلغ غاية المجلد الثالث والخمسين من التاريخ في العشر الأخير من ربيع الأول سنة (اثنتين وثمانين وخمسمائة)، في الجامع الكبير.

وإذا ما قدرنا أن الفراغ من سماع التاريخ على الابن قد وقع في أواخر ذلك العام، أي اثنين وثمانين، فيكون ذلك السماع قد استغرق أحد عشر عاماً وبضعة أشهر.

4 - ثم أعيد السماع ثانية على الابن: بدأ في عشر ذي الحجة سنة (سبع وثمانين وخمسمائة)، وبلغ غاية المجلد الثالث والخمسين في أول يوم من عام (ستة وتسعين وخمسمائة). واستغرق سماع التاريخ في هذه المرة ثماني سنوات وبضعة أشهر. كانت خاتمة المطاف في عمل القاسم في هذا الكتاب، فقد توفي بعد أربع سنوات رحمه الله.

هذه هي الصورة، فما النتائج المستفادة منها؟.

إن صورة السماع هذه قد ألغت تماماً فكرة المراحل الثلاث السابقة، لتحل محلها مراحل ثلاثاً جديدة: مرحلة الجمع والتسويد، مرحلة التبييض والتسميع، مرحلة الإكمال والتجديد.

وإذا كانت مرحلة الجمع والتسويد أمراً مفروغاً منه، فإن فترة ست السنوات: ما بين مطلع خمسمائة وستين –ونهاية خمسمائة وخمسة وستين قد ميزت المراحل الجديدة بشكل جلي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير