تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[11 - 09 - 04, 01:38 ص]ـ

ابن عساكر: أخذ وعطاء - د. بشار عواد معروف

جامعة بغداد

رحل الحافظ ابن عساكر إلى بغداد رحلتين: أولاهما سنة 520هـ وهي الرحلة الرئيسة التي استمرت قرابة الخمس سنين، وثانيتهما سنة 533هـ عند انتهاء رحلته إلى مشرق العالم الإسلامي (1).

وكانت الدولة العباسية خلال هذه الفترة قد أخذت تستفيق وتحاول إعادة مجدها وبسط سلطانها الذي لم يبق السلاجقة منه ما يذكر، وظهرت بوادر تلك اليقظة بظهور شخصية عباسية عظيمة هي شخصية الخليفة المسترشد بالله 512 - 529هـ (2). وكان المسترشد يوم ولي الخلافة في عز قوته: شاباً لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، فحاول جاهداً الحد من نفوذ المتغلبين على الخلافة كبني مزيد وغيرهم، وباشر الحروب بنفسه، ثم أخذ يتطلع إلى شيء أعظم من ذلك: هو إبعاد النفوذ السلجوقي عن الخلافة العباسية، ولم يكن ذلك بالأمر اليسير والسلاجفة في عز قوتهم وسلاطينهم الأقوياء مثل السلطان محمود وولده مسعود يسيطرون على دفة الأمور. وعلى الرغم من أن هذا الخليفة العظيم قتل سنة 529 نتيجة لمؤامرة بين الباطنية والسلاجفة فإنه كان طلائعياً فتح الباب على مصراعيه لمن جاء بعده للوقوف بوجه النفوذ السلجوقي، قال مؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي: "كان ذا همة عالية وشهامة وإقدام ورأي وهيبة شديدة، ضبط أمور الخلافة ورتبها أحسن ترتيب، وأحيا رمم الخلافة ونشر عظامها، وشيد أركان الشريعة وطرز أكمامها، وباشر الحروب بنفسه، وخرج عدة نوب إلى الحلة والموصل وطريق خراسان" (3). ومن أجل كل ذلك كان المسترشد بالله يتقرب إلى شعبه ويتمسك بدينه فسمع الحديث من أبي القاسم ابن بيان وعبد الوهاب بن هبة الله السيبي وغيرهما، بل قرأ عليه المحدث محمد بن عمر بن مكي الأهوازي أجزاء الحسن بن عرفة بسماعه من ابن بيان، فكان ابن الأهوازي يقرأ عليه والخليفة سائر بقرب المدائن لقتال دبيس بن صدقة المتغلب على الحلة (4). وحذا ابنه الراشد حذوه في الحرب، فحاربه السلطان وخلعه (5). وولي المقتفي لأمر الله سنة 530هـ حيث لزم الصمت مدة حتى إذا وجد الفرصة مواتية بعد ذلك قال: "لا صبر على الضيم بعد اليوم" وطرد الشمنة (وكيل السلطان) واستولى على أملاكه وأملاك المؤيدين للسلاجفة، وباشر الحروب بنفسه فقاد الجيوش وملك العراق من أقصى الكوفة إلى حلوان ومن تكريت إلى عبادان، وعاونه في ذلك وزيره العلام الجليل ابن هبيرة (6).

وكانت بغداد في مطلع القرن السادس من أعظم المراكز العلمية العربية الإسلامية ولاسيما في العلوم الدينية، كالحديث والفقه وتوابعها كالتاريخ والأدب واللغة، ولا أدل على مكانتها من ذلك العدد الضخم من متعيني الرواة الذين عاشوا فيها أو قصدوها من شتى بقاع العالم الإسلامي والذي يظهر من ضخامة الذيل الذي وضعه أبو سعد بن السمعاني على تاريخ الخطيب، فعلى الرغم من أن الفترة الزمانية التي تناولها الكتاب لا تزيد على القرن الواحد 463 - 562 فإنه كان بحجم تاريخ الخطيب تقريباً (7).

وبدأت المدارس تنتشر في هذه المدينة منذ منتصف القرن الخامس الهجري انتشاراً كبيراً، متوجة بإنشاء المدرسة النظامية سنة 459هـ والتي أصبحت مناراً للعلم ومقصداً لطلبته (8).

ولم تكن بغداد منطقة جذب للعلماء بسبب مكانتها العظيمة حسب، لكنها، وهي دار العلم آنذاك، كانت تقع على طريق الحجاج القادمين من مشرق العالم الإسلامي الزاخر آنذاك بطائفة عظيمة من مشاهير العلماء، فكان هؤلاء ينتهزون هذه الفرصة عند المرور ببغداد للسماح أو التحدث بها فيوفر كل ذلك على الطالب القادم إليها تعباً في لقاء هؤلاء الشيوخ (9).

وقد أسهم المحدثون المسلمون خلال تلك العصور في الحفاظ على الوحدة الثقافية بين أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي برحلاتهم الكثيرة الطويلة وتنقلهم بين مدنه وأقاليمه، ونشر راية اللغة العربية في أرجائه. وكان المسلمون يعتبرون العالم الإسلامي كله موطناً وداراً لهم، وبذلك توطدت الصلات بين أجزائه بالرغم من اختلاف حكامه (10).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير