تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهكذا كانت رحلته الأولى وهي أطول رحلاته مخصصة لعاصمة الثقافة آنذاك بغداد، أما الثانية فكانت غايتها الرئيسة مشرق العالم الإسلامي، لكن بغداد لم تغب عن نفسه فعرج عليها بعد انتهاء رحلته المشرقية.

وحينما وصل أبو القاسم إلى بغداد واظب على حضور الدروس بالمدرسة النظامية (29)، وكان شيخه مدرس النظامية الحسن بن سلمان بن عبد الله بن الفتى النهرواني الأصبهاني، نزيل بغداد. وقد ولي تدريس النظامية في أول رحلة ابن عساكر إلى بغداد وبقي مدرساً بها إلى حين وفاته في شوال سنة 525هـ. وكان ابن عساكر من المعجبين به، قال: "وولي تدريس المدرسة النظامية ببغداد إذ كنت وكان ممن يملأ العين جمالاً والأذن بياناً ويربي على أقرانه في النظر لأنه كان أفصحهم لساناً (30).

ودرس الخلاف ببغداد على الشيخ أبي سعد اسماعيل بن أحمد بن عبد الله النيسابوري (451 - 532) (31) وكان شيخا ذا رأي وعقل وتدبير وفضل وافر (32)، قال ابن عساكر: "كان إماماً في الأصول والفقه حسن النظر مقدماً في التذكير .. لقيته ببغداد سنة إحدى وعشرين وخمسمئة وسمعت منه (33) ". إلا أن عناية أبي القاسم الدمشقي انصبت ببغداد، وبغيرها فيما بعد، على سماع الحديث، فانطلق فيه حتى طغى على كل تفكيره، واستغرق كل حياته بعد ذلك، فسمع مالا يحصى كثرة من الكتب والأجزاء، ولقي ببغداد مئات عديدة من الشيوخ والشيخات، يدل على ذلك معجم شيوخه، كما تدل عليه تآليفه. وأصيب بالشره في سماع الحديث وقراءته حتى كان يسمع من أناس قد لا يرضى عنهم، فقد سمع مثلاً من أبي المعالي ثعلب بن جعفر بن أحمد السراج (34) المتوفي سنة 524 وهو "عامي لا يدري شيئاً إنما سمعّه أبوه بدمشق .. وعاد به إلى بغداد" (35)، وسمع من أبي الأعز قراتكين ابن الأسعد بن مذكور التركي البغدادي الأزجي (36) المتوفى سنة 524 وقد سئل عنه فقال فيه: "ما كان يعرف شيئاً" (37)، وسمع عبيد الله بن محمد البيهقي الخسروجردي (38) المتوفى سنة 523، وقال ابن السمعاني: سألت عنه أبا القاسم الدمشقي، فقال: ما كان يعرف شيئاً (39). وسمع من أبي السعود أحمد بن علي بن محمد ابن المجلي (40) المتوفى سنة 525 "ولم يكن يعرف شيئاً من الحديث، وكان يعظ ويذكر بجامع القصر" (41)، وروى عن عبد الله بن محمد بن نجا بن شاتيل المراتبي الدباس (42) المتوفى سنة 525 أيضاً "وكان لا يعرف شيئاً" (43)، وقال عن شيخه أبي عمرو عثمان بن أحمد بن عبيد الله بن دحروج البغدادي النصري (44) المتوفى سنة 527: "ما كان يفهم شيئاً" (45)، وقال عن شيخه أبي منصور أحمد بن محمد بن أحمد ابن السلال الوراق الناسخ المتوفى سنة 528 وقد روى عنه في معجم شيوخه (46): "وكان بئس الشيخ قليل الصلاة" (47) وهلم جرا.

إن عدد الشيوخ الذين أخذ عنهم أبو القاسم ببغداد يفوق عددهم في أية مدينة أخرى يدل على ذلك معجم شيوخه حيث نجد فيه مئات عديدة، لكنه أكثر عن بعضهم نظراً لمكانتهم العلمية وما حصلوا عليه من إسناد عال في الرواية، قال رفيقه المحدث أبو المواهب الحسن بن هبة الله ابن صصري الربعي البلدي الأصل الدمشقي الدار والوفاة المتوفى سنة 586 (48):

"أما أنا فكنت أذاكره في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم فقال: أما ببغداد فأبو عامر العبدري" (49). وكان أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجى القرشي العبدري الميورقي نزيل بغداد المتوفى سنة 524هـ أحد الحفاظ المذكورين والعلماء المبرزين، ومن كبار الفقهاء الظاهرية: قال أبو القاسم: "كان فقيهاً على مذهب داود، وكان أحفظ شيخ لقيته" (50).

وقد أدرك الحافظ ابن عساكر ببغداد سند العراق العظيم أبا القاسم هبة الله بن محمد ابن الحصين الشيباني الهمذاني الأصل البغدادي (432 - 525)، وكان من الشيوخ الثقاة الواسعي الرواية، وقد تفرد برواية مسند الإمام أحمد، وأحاديث أبي بكر الشافعي واليشكريات (51).

وسمع بها من أبي العز أحمد بن عبيد الله ابن كادش العكبري البغدادي (436 - 526) وكان آخر الرواة عن أقضى القضاة أبي الحسن الماوردي (52). ومن أبي الحسين محمد بن الحسين ابن الفراء البغدادي الحنبلي المقتول سنة 526 صاحب طبقات الحنابلة (53).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير