وأخذ الحافظ عن أبي الحسن على يد بن عبيد الله ابن الزاغوني (455 - 527) شيخ الحنابلة ببغداد. وكان إماماً فقيهاً، متبحراً في الأصول والفروع، متفنناً، واعظاً، مناظراً، ثقة، مشهوراً بالصلاح والديانة والورع والصيانة وكثرة التصانيف (54).
وأكثر عن أبي القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر البغدادي الحريري المقرئ المعروف بابن الطبر (435 - 531) خال الحافظ عبد الوهاب الأنماطي، وهو من الشيوخ المعمرين المقرئين الثقات العارفين بالعربية (55).
وأخذ عن أبي منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق الشيباني القزاز البغدادي الحريمي (453 - 535) وكان قد سمع التأريخ من الخطيب ورواه (56).
ومن كبار شيوخه البغداديين أيضاً القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري البغدادي الحنبلي البزاز المعروف بقاضي المارستان (442 - 535) قال الذهبي: "مسند العراق بل مسند الآفاق .. روى عنه خلق لا يحصون منهم من مات في حياته ومنهم من تأخر" (57).
وسمع الكثير على أبي القاسم اسماعيل بن أحمد ابن السمرقندي المولود بدمشق سنة 454 والمتوفى ببغداد 536 الذي كان واحداً من أعظم علماء بغداد (58) بحيث كان الحافظ أبو العلاء العطار الهمذاني يقول: ما أعدل بأبي القاسم السمرقندي أحداً من شيوخ العراق وخراسان، وقال ابن عساكر في حقه: كان ثقة مكثراً صاحب أصول، وكان دلالاً في الكتب .. وعاش إلى أن خلت بغداد وصار محدثها كثرة وإسناداً، وقد أملى في جامع المنصور في أيام الجمع زيادة على ثلاث مئة مجلس" (59).
وسمع ابن عساكر أيضاً من الشيخ الحافظ الثقة المتقن الكثير السماع الواسع الرحلة أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي (462 - 538) (60)، قال ابن السمعاني: جمع الفوائد وخرّج التخاريج. ولعله ما بقي من العالي والنازل جزء إلا قرأه وحصّل نسخته إما بخطه، أو بخط غيره. ونسخ الكتب الكبار مثل طبقات ابن سعد وتاريخ الخطيب. وذكره أبو موسى المديني في معجمه، فقال: حافظ عصره ببغداد (61).
ومنهم أيضاً أبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون البغدادي المقرئ الدباس (454 - 539)، وهو من الشيوخ المعمرين الثقات البارعين في القراءات. حدث بكتاب النسب للزبير بن بكار عن ابن المسلمة، وسمع أكثر تاريخ الخطيب وكان ينسخه ويبيعه (62).
وروى الحافظ أبو القاسم عن عدد من الشيخات اللائي التقى بهن في بغداد وسمع عليهن، منهن:
فاطمة بنت عبد القادر بن أحمد بن الحسين ابن السماك الواعظة، وتدعى المباركة المتوفاة سنة 520، قال الذهبي: "وهي أقدم شيخ توفي له ببغداد" (63).
وفاطمة بنت الحسين بن الحسين بن فضلويه الرازي. العالمة المعروفة ببنت حمزة، قال الذهبي: "واعظة مشهورة ببغداد متعبدة لها رباط يأوي إليه النساء. روت عن ابن المسلمة، وأبي بكر الخطيب. روى عنها أبو القاسم ابن عساكر، وقال: توفيت في ربيع الأول" (64) (سنة 521).
وفاطمة بنت أبي الحسين علي بن الحسين بن جَدّا العكبري البغدادية المتوفاة سنة 526 (65).
وكريمة بنت الحافظ أبي بكر محمد بن أحمد بن الخاضبة المتوفاة سنة 527. روت عن أبي الحسين ابن النقور. قال ابن السمعاني: رأيت نسخة لتاريخ بغداد كاملة بخطها (66).
ومهناز بنت يانش الرومي، أم بشارة البغدادية. سمعت من أبي جعفر ابن المسلمة "صفة المنافق". روى عنها أبو المعمر الأنصاري وابن عساكر، وتوفيت سنة 530 وقد نيفت على التسعين (67).
أثر بغداد في تكوينه الفكري:
كان أبو القاسم طيلة مقامه ببغداد لا يكل عن السماع والتحصيل ولا ينقطع عنهما وكان رفقته في الطلب، ومنهم ابن صصري "ت 586" يدركون هذا الحماس في الدراسة والتحصيل، فكان ابن صصري يقول: "ما كنا نسمع الشيخ أبا القاسم ببغداد إلا شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه" (68) فجمع من العلم ما لم يجمعه غيره "ورجع بعلم جم وسماعات كثيرة" (69)، ولا أدل على ضخامة زاده من بغداد تلك الروايات الكثيرة التي نقلها عنهم في كتبه، ففي المجلدة الأولى من تاريخ دمشق نجده يورد أكثر من مئة وعشرة نصوص عن أبي القاسم بن السمرقندي، وأكثر من خمسين نصاً عن ابن الحصين، وقرابة الأربعين نصاً عن ابن البناء، والثلاثين نصاً عن محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وهلم جرا (70).
¥