تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن لماذا لم يطبع إلى الآن، ألا يساوي هذا الكتاب في القيمة كامل المبرد وأمالي القالي وعيون أخبار ابن قتيبة وبيان الجاحظ. وفي اعتقادي أنه يفوق هذه الكتب في غزارة المادة التي يضمها بين دفتيه وفي طرافة عرضه للمادة اللغوية، وفي سعة الفترة التي يروي عيون أخبارها. ثم أن اسم المعافى في عالم الأدب والنحو والفقه ليس أقل إشراقاً من أسماء أولئك الأعلام الذين ألفوا قبله (توفي الجاحظ سنة 255، وابن قتيبة سنة 276، والمبرد سنة 285، والقالي سنة 356).

إنني لا أجد سبباً في حبس هذا الكتاب عن أيدي القراء إلا المصادفة المحضة فهل نسمح للمصادفة أن تحرمنا من علم كثير وثروة لغوية نادرة قد لا يسهل علينا هضمها وابتلاعها من غير كتاب المعافى لأنها ستعرض بطريقة معجمية تجعل القارئ غير الباحث زاهداً فيها منصرفاً عنها.

ولعل الأوان قد حان أن يخرج هذا الكتاب بحلة جديدة ونحن نعمل في بعث تراثنا والتنقيب عن مخبآته في زوايا المكتبات كخطوة أولى في الوصول إلى سابق عزمنا وسالف حضارتنا.

أهمية الكتاب ومنهجية المعافى في عرض مادته:

نوهت المصادر القديمة بمؤلفاته أبي الفرج الجريري ومن بينها كتابه هذا، فقد وصفه ابن النديم بأنه من خير كتبه وقال: "يذكر فيه فضائل جمة وأخباراً مستحسنة وغير ذلك من الفوائد (16) ".

http://awu-dam.org/trath/01/07/3.gif

والحقيقة أن للكتاب أهمية كبيرة فهو حافل بالأخبار الأدبية الطريفة والأشعار المستملحة والنوادر التاريخية والشروح اللغوية، ولا نغالي حين نقول أنه يعطينا صورة حية صادقة لجوانب من الحياة العربية قلما جادت بها مصادرنا الأخرى التاريخية والأدبية بالإضافة إلى الشروح اللغوية المستفيضة والتعليقات الأدبية النفيسة التي تؤكد لنا أن المعافى لم يكن رجل لغة ونحو وإنما كان أديباً ذواقة يميز بين النصوص ويفاضل ويقارن ليضع يدنا على مواطن الجمال. ولعلنا نلمح بعض هذا في عرضنا نماذج من الكتاب.

لا يجد قارئ الجليس والأنيس موضوعاً سار عليه مؤلفة، ولكنه قسمه تقسيماً هندسياً يذكرنا بكتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي معاصر المعافى، فالكتاب مائة مجلس وكل مجلس من هذه المجالس يبدؤه المعافى بحديث يرويه عن الرسول r يفسر ما جاء فيه من الغريب ثم يسترسل فيما شاء الله له من أخبار لا تقيده في ذلك وحدة الموضوع إلا ما جاء عفو الخاطر كما جاء في الباب الحادي والسبعين حيث ربط بين حديث الرسول r عن الغناء وبين خبر طويل عن المغني اسماعيل بن جامع نفيد منه أن الرشيد كان ذواقة للغناء يشجع المغنين ويبعد عنهم الفاقة والعوز ويكفيهم السعي في طلب الرزق، وكأني بالمعافى أراد حين قدم هذا الخبر –أن يقارن بين حال الأدباء والعلماء وما كانوا يلقون من رعاية وتكريم في عصر الرشيد وبين البؤس والفاقة التي كانوا يعانون منها في القرن الرابع يقول: "فرأيت أن أرسمه هاهنا إذ هو مما يستحسنه ويصغي إلى استماعه ذوو الفضل من الأدباء، وينشط للوقوف عليه أولو الحجى من الرؤساء".

والحقيقة أننا نخرج من الخبر وملء أسماعنا، وأبصارنا صور من حضارتنا العربية ومجالس أنسها، وربما أغمض أحدنا عينيه عله يفلت من عنصر الزمن فيعيش، ولو فترة قصيرة في ذلك العز المسيطر والحضارة الوارفة، أو يسمع على الأقل صوت ابن جامع، هذا الذي أحيا الرشيد ووزيره جعفر ليلهما في الاستماع إليه.

والمعافى لا ينسى تفسير الألفاظ الغريبة كلما وجد ضرورة لذلك، ويستعرض في تفسيرها أمثلة من الشعر والحديث والقرآن الكريم، وهو في ذلك تلميذ ابن قتيبة، ربما كان ذلك عن قصد منه أو عن غير قصد، وفي اعتقادي أن طريقته هي الطريقة المثلى لأستاذ العربية في عصرنا الحاضر إن أحسن استخدامها، وتمكن من السير على نهجها، فأحدث المناهج التربوية تنادي بطريقة المعافى من غير أن تدري، إنه أستاذ العربية الأصيل وأبو بجدة تلك الدروس النموذجية التي ينادي بها أساتذة التربية. وحبذا لو اتسع المقال لأعرض على القارئ بعض أخبار المعافى كاملة ليحس باللذة التي أحس بها، ولكن المقال لا يتسع لاستعراض النماذج الكاملة لذلك أكتفي بعرض المقتطفات وأحيله إلى المصدر عل أصواتاً كثيرة تنضم إلى صوتي مطالبة بطبع الكتاب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير