تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يروي لنا المصنف في المجلس الثاني والسبعين خبر رجل اشتهى الحلوى فخرج إلى الطريق فإذا: " ... أخاوين حلوى فنودي: يا اسماعيل هذا الذي اشتهيت وإن تركته خير لك .. " وبعد أن ينتهي المعافى من سرد الخبر يقول: "قوله: أخاوين حلوى، يقال لما يجعل عليه الطعام قبل جعله: خوان، فإذا جعل عليه فهو مائدة، فإذا رفع الطعام عنه عاد إلى تسميته: خواناً. وزعم بعضهم أن المائدة إنما تسمى بهذا الاسم إذا خف ما عليها من الطعام لأنها حينئذ تميد .. ". وقال بعضهم: الخوان بالكسر كلام العرب، وهو خُوان بالضم باللسان الفارسي، وروي لنا عن الفراء الكسر والضم في الخوان من كلام العرب وجمعه أخاوين مثل سِوَار وأساوير. ويجمع السوار أيضاً على أسورة وأساورة، والهاء في أساورة عوض عن الياء في أساوير، وذكر نحو هذا سيبويه في زنديق وزنادقة ... وقال الأخفش في قوله تعالى: فلولا ألقي عليه أساورة" لأنه جمع أسوار وأسورة ... قال القاضي: وقد قال الله جل ذكره: "وحلو أساور من فضة، وقال تعالى: يحلون فيها من أساور من ذهب فأتى الجمع هاهنا على أساور. وحكى ثعلب أن الفراء قال: أسورة جماعة سوار للذي في اليد يضم ويكسر".

ويقيني أن القارئ لن ينسى أبداً معنى كلمة الخوان ولن يخطئ في جمعها، ولن ينسى الأمثلة التي ضربها المعافى لقياس هذا الجمع. ولو رجعنا إلى معاجمنا ولنأخذ أكثرها تفصيلاً وأمثلة ألا وهو لسان العرب. حين نستعرض مادة "خون" في اللسان لا نجد فيها هذا التفصيل الدقيق "للخوان" وجموعه وما جاء عن العلماء فيه هذا بالإضافة إلى أن قارئ الخبر يشعر كأن التفسير جاء طلباً منه فلا يجده ثقيلاً مملاً جافاً لأنه كان نابعاً من الخبر احتجنا إليه في معنى اللفظة فعرفناه وعرفنا موضع استعماله.

وليس تعقيب المعافى على الأخبار تعليقات أدبية وشروح لغوية فقط، لقد عودنا أن يكون معلماً ماهراً يعطي لكل مقام مقاله المناسب ويعقب على كل خبر بما يحتاج إليه طالب العلم النهم.

يبدأ المعافى في مجلسه الخمسين بحديث عن الرسول r معناه أن رجلاً دخل على النبي r فقال له: استعملني فقال: "إنا لا نستعمل على عملنا من طلبه، ولا من حرص عليه". ويعقب المعافى: "تأملوا رحمنا الله وإياكم ما ورد به هذا الخبر عن نبينا r في أخباره أنه لا يستعمل على الناس من طلب العمل عليهم، ولا من حرص على ولاية أمورهم، لأن من سأل هذا وحرص عليه لم يؤمن زيغه عن العدل في من يلي عليه، ومحاباته لمن يوليه، وشفاء غيظه ممن يعاديه والاستطالة بما بسط فيه على من بسط عليه فيجوز في حكمه ويستعين في سلطانه على ظلمه".

أرأينا أي أسلوب بسيط واضح بعيد عن التكلف فسر به قول رسول الله r؟ وبمعنى آخر أرأينا هذا الثوب من الألفاظ والتراكيب الذي ألبسه المعافى لمعانيه، كانت المعاني شافية وافية وكانت الألفاظ رداء ليس بالواسع الفضفاض ولا بالضيق الحرج، لم تثقله الصنعة، ولم يخل من التأنق والذوق، وكأن هذا الأسلوب أخرجته يد صناع عملت فيه بآلة سحرية فبدت فيه السهولة الممتنعة التي تستسلم لكل قارئ وتعجز كل كاتب، وهي البلاغة التي وصفها ابن المقفع بقوله: "إذا رآها الجاهل ظن أنه يحس مثلها".

بهذا الأسلوب البليغ يقيس المعافى بجرأة ما ورثنا إياه الرسول الأعظم والسلف الصالح بما يراه ويسمعه، ويقول معقباً: "وإلى الله المشتكى مما نراه في زماننا هذا من غلبة السفلة والجهال والسخفاء الضلال للأحكام، وإجلاسهم مجالس الأئمة الأعلام، مع عظيم جهالتهم، وسقوط عدالتهم، وفساد أمانتهم، وقبح الظاهر والباطن من أمرهم، والله ولي الانتقام ممن يطوي في هذا الباب نصيحة الإمام ويسعى إلى ما يساق إليه من الأحكام في حد شريعة الإسلام، ونستعين بالله على تمكيننا من إيضاح هذا الأمر وإنهائه إلى من إليه الأمر، من ساسة الأمة، ومدبري الملة".

والمعافى في أسلوبه اللفظي يذكرنا بمعاصره أبي حيان التوحيدي، فهو واضح العبارة، مشرق الديباجة، حريص في جمله على نوع من التناغم الموسيقي، والتآلف الصوتي، أما في المنهج الفكري فإن طبيعة عالم اللغة والأدب تختلف عن طبيعة الفيلسوف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير