تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(- والله لقد أثِمَ المؤلف بإيراده مثل هذا السخف في حق الله ثم لم يتعقبه بشيء!؟ فأُفٍّ لأهل الكتاب - المبدِّلين منهم - سائر الدهر! أيْش هذا الكذب المركب والمكعب في جنب الله؟ وأيُّ حقدٍ يصف الله به نفسه أيُّها الحاقدون لأنفسهم قبل أيِّ شيء؟! وهل في صفة الحقد ما يُمْدَحُ المرء من أجله؟ فكيف برب العالمين؟ وليس في أخْذِ الأبناء بذنوب الآباء ما يُوجِب أن يكون صاحب الشرع حقودًا؟ بل ذلك يكون على أمور لا نفقه أكثرها الآن؟ وقد يكون ذلك رحمةً منه بالأبناء؛ كي لا يقتدوا بأفعال الآباء، ونحو ذلك من الحِكَمِ الدقيقة التي لا يعلمها كل أحد؟ فسامحك الله يا ابن قتيبة! أما كنتَ في غنًى عن تلك الإسرائيليات الوقحة! أليس في كتاب الله والسنة ما يغني عن تلك الأكاذيب؟! وقد سئمنا -والله - من تعقُّبِ المؤلف فيما يروده من إسرائيليات!).

قلت: والغريب أن أكثر الطبعات التي وقفتُ عليها من هذا الكتاب: (تأويل مختلف الحديث)! لم أجد أحدًا من المعلقين عليها قد نَكَتَ على هذه الفضيحة؟ وإنما اكتفى المعلق على (طبعة دار ابن عفان) [ص/466] بقوله: (هذا الكلام لا يليق نسبته إلى الله، ولا شك أنه من التحريف الذي أصاب تلك الكتب، والله ورسوله منه بريء).

قلت: ولا يُهوِّنُ من حرارة تعقيبنا على المؤلف في هذا المسلك إلا من لا يدري آثار أمثال تلك الإسرائيليات في عقائد المسلمين وشريعتهم!

وللأستاذ: كمال معزى رسالة ماجستير بعنوان (أثر الإسرائيليات فى الفكر العقدي الإسلام). وفيها ما يحسن الاطلاع عليه، لا سيما تقدمة الباحث منها.

نعم: ربما ظن المعترض من تأثيمنا للمؤلف في هذا السبيل أننا قد ولَجْنَا جُدَّة الطعن فيه! وإبراز مساويه! وليس من ذلك شيء عند من أبصر وتبصر، ولم يتخبط في بيداء غفوته ويتعثَّر!

والتأثيم: هو حكم شرعي قائم على علم واجتهاد، وليس باعثه الطيش والعناد.

وبهذا العلم: نزع المؤلف نفسه إلى تجريح عبيد الله بن الحسن العنبري! وساقه في جملة أقحاح أهل البدع والزندقة! بل أفرد للرد عليه فصلا من كتابه: (التأويل)! وجعل يشنِّع عليه بأمور حكاها عنه!

مع أن عبيد الله بن الحسن هذا: هو العنبري الإمام الفقيه الثقة المأمون، وكان (من سادات أهل البصرة فقها وعلما) كما يقول ابن حبان، وهو أفقه من ابن قتيبة وأعلم منه بطبقات! ولا يؤثر فيه كلام أبي محمد أصلا! كما لم يؤثر كلام من تكلم في عبد الله بن مسلم القتيبي؟ لأن لأقوال الرجل - على فرض صحتها عنه جميعها- من التأويلات ما يدرأ عن عرضه ودينه، وقد أنصفناه في تعليقنا على (التأويل) بما لا مزيد عليه.

ومع حرارة انتقاد المؤلف لهذا الإمام: لم نكن لنجرأ على أن نصف المؤلف بـ: (المخرِّق)! أو نجعل كلامه فيه من قبيل: (التخريقات)! كما وصفنا بذلك ورمانا به: أخونا المعترض الذي ما فتأ يسأل الله (السلامة والعافية وحسن الخلق)

وبهذه العلم والاجتهاد أيضا: استجاز الحافظ الذهبي -وغيره- أن يجزم بتأثيم جماعة من كبار الأئمة فيما سكتوا عنه من الأخبار الظاهرة البطلان؟

ومن ذلك:

1 - - قول الذهبي في ترجمة: (عمر بن الحسن بن علي الأشناني) من (الميزان): (هذا الإشناني صاحب بلايا فمن ذلك قال الدارقطني حدثنا عمر بن الحسن بن علي ثنا محمد بن هشام المروزي هو بن أبي الدميك موثق ثنا محمد بن حبيب الجارودي ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له أن شربت لتستشفي به، شفاك الله، وإن شربت لتشبع أشبعك الله، وإن شربت ليقطع ظمأك قطعه الله، وهي هزمة جبرائيل وسقيا الله إسماعيل).

ثم قال الذهبي: (وابن حبيب صدوق فآفته هذا هو عمر، ولقد أثم الدارقطني بسكوته عنه! فإنه بهذا الإسناد باطل ما رواه بن عيينة قط! بل المعروف حديث عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر مختصرا).

2 - - وبهذا العلم والاجتهاد أيضًا: استجاز الحافظ ابن حجر في (اللسان) أن يتعقب الذهبي عقب كلامه الماضي بتأثيم الدارقطني قائلا: (الذي يغلب على الظن أن المؤلف هو الذي أثم بتأثيمه الدارقطني! فإن الأشناني لم ينفرد بهذا، بل تابعه عليه في " مُسْتَدْرَكِه" الحاكمُ .... ).

3 - - وبهذا العلم والاجتهاد: قال الذهبي أيضًا في حق أبي نعيم وابن منده في ترجمة الأول من " الميزان ": (ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، بل هما عندي مقبولان، لا أعلم لهما ذنبا أكبر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها)!

4 - - وقال أيضًا في ترجمة ابن عساكر من (تاريخ الإسلام): (وهو مع جلالته وحفظه يروي الأحاديث الواهية والموضوعة ولا يتبينها! وكذا كان عامة الحفاظ الذين بعد القرون الأولى إلا من شاء ربك، فليسألنهم الله تعالى عن ذلك، وأي فائدة بمعرفة الرجال ومصنفات التاريخ والجرح والتعديل إلا كشف الحديث المكذوب وهتكه؟).

قلت: وليست رواية الأباطيل والسكوت عن هتكها = بدون ذكر تُرَّهَات أهل الكتاب في حق الله ورسله دون التنبيه عما فيها من الطَّمِّ والرَّمِّ!

وللحافظ ابن الذهبي خاصة عبارت ظاهرها الجفاء في حق جماعة من الكبار! ما دفعه إليها إلا الإنصاف والذب عن حرمات الشريعة وأعراض الناس! يكفيك منها كلمته المشهورة في حق أبي جعفر محمد بن عمرو الحافظ؟ (أفما لك عقل يا عقيلي؟) والتي لو قالها أحدٌ من النقاد الآن في حق كبير من أهل العلم = لرماه الكافة عن قوس واحدة! ولأخذوا بأكظامه حتى يموت كمدًا!

وإنما احتملنا تلك العبارة للذهبي وأمثاله: لما عرفناه عنهم من الاستقامة في نقد الرجال، وركوب مطايا الإنصاف في محاكمتهم، مع الإخلاص والعلم والدين، وعدم غمط الدهماء ما أمرنا الله به من حُسْن الشهادة في حقهم، والقيام بالنَّصفة فيما بينهم.

تابع البقية: ....

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير