[علوم اللغة أصول وقروع]
ـ[عارف الحمزي]ــــــــ[22 - 07 - 2008, 11:53 م]ـ
قال ابن فارس في مقدمة كتابه (الصاحبي في فقه اللغة):
" إِن لعلم العرب أصلاً وفرعاً: أمَّا الفرعُ فمعرفة الأسماء والصفات كقولنا: "رجل" و "فرس" و "طويل" و "قصير". وهذا هو الَّذِي يُبدأ بِهِ عند التعلُّم.
وأمَّا الأصلُ فالقولُ عَلَى موضوع اللغة وأوَّليتها ومنشأها، ثُمَّ عَلَى رسوم العرب فِي مخاطبتها، وَمَا لَهَا من الافْتِنان تحقيقاً ومجازاً.
والنّاسُ فِي ذَلِكَ رجلانِ: رجلٌ شُغل بالفرع فلا يَعْرِف غيرَه، وآخَرُ جَمع الأمريْنِ معاً، وهذه هي الرُّتبة العليا، لأن بِهَا يُعلم خطابُ القرآن والسُّنة، وعليها يُعول أهلُ النَّظر والفُتيا، وذلك أن طالبَ العلم العُلويُ يكتفي من سماء "الطويل" باسم الطويل، ولا يَضِيرُه أن لا يعرف "الأشَقَّ" و "الأَمقَّ" وإن كَانَ فِي علم ذَلِكَ زيادةُ فَضل.
وإنَّما لَمْ يَضِره خفاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لأنَّه لا يَكاد يجدُ منه فِي كتاب الله جل ثناؤه فيُحْوَج إِلَى علمه؛ ويقل مثله أيضاً فِي ألفاظ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم، إذ كَانَتْ ألفاظُه صلى الله عَلَيْهِ وسلم هي السّهلة العَذْبَة.
ولو أنه لَمْ يَعْلم توسُّع العرب فِي مخاطباتها لَعَيَّ بكثير من علم مُحْكَم الكتاب والسنَّة، ألا تسمع قول الله جل ثناؤه: "ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعون ربَّهم بالغَداةِ والعَشِيِّ يُريدون وجهَه" إِلَى آخر الآية? فسِرُّ هَذِهِ الآية ي نَطْقها لا يكون بمعرفةٍ غريب اللغة والوَحْشيِّ من الكلام، وإنَّما معرفته بغير ذَلِكَ مما لعلَّ كتابنا هَذَا يأتي عَلَى أكثره بعون الله تعالى.
والفرق بَيْنَ معرفة الفروع ومعرفة الأصول أن مُتَوسِّماً بالأدب لو سُئل عن "الجَزْم" و "التَّسوِيد" فِي علاج النوق، فتوقف أَوْ عيَّ بِهِ أَوْ لَمْ يعرفه، لَمْ ينقصه ذَلِكَ عند أهل المعرفة نقصاً شائناً، لأن كلام العرب أكثر من أن يُحصى.
ولو قيل لَهُ: هل تتكلم العربُ فِي النّفي بما لا تتكلم بِهِ فِي الإثبات، ثُمَّ لَمْ يعلمه لنَقْصه ذَلِكَ فِي شريعة الأدب عند أهل الأدب، لا أنَّ ذَلِكَ يُرْدد دينه أَوْ يَجُرُّه لمأثم.
كما أن مُتوسِّماً للنَّحو لو سُئل عن قول القائل:
لَهِنّكِ من عبْسية لوسيمة
عَلَى هَنَوات كاذبٌ من يقولُها
فتوقَّف أَوْ فكَّر أَوْ استمْهل لكان أمرُهُ فِي ذَلِكَ عند أهل الفضل هَيِّناً، لكن لو قيل لَهُ مكان "لَهِنَّكِ" مَا أصل القَسم، وكم حروفه، وَمَا الحروفُ الخمسة المشبَّهة بالأفعال الَّتِي يكون الاسم بعدها منصوباً وخبرُهُ مرفوعاً? فلم يُجب لَحَكِم عَلَيْهِ بأنَّه لَمْ يُشامَّ صِناعةَ النحو فقط.
فهذا الفصلُ بَيْنَ الأمرين.
والذي جمعناه فِي مؤلَّفنا هَذَا مفرَّق فِي أصناف العلماء المتقدمين رضي الله عنهم وجزاهم عنا أفضل الجزاء. وإنَّما لَنَا فِيهِ اختصارُ مبسوط أَوْ بسطُ مختصرٍ أَوْ شرحُ مشْكلٍ أَوْ جمعُ متفرقٍ ".