تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لسان الضاد]

ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[02 - 10 - 2008, 01:48 ص]ـ

[لسان الضاد]

من منا لم يسمع أن العربية "لسان الضاد"؟ الإشارات في كتب اللغة والأدب كثيرة، وقد أورد منها أستاذنا الدكتور فاروق مواسي في مقالته (الضاد ولغة الضاد) * ما يغني فأحيل إليها، فأكتفي في هذا السياق بالأبيات التالية:

يقول المتنبي:

ما بقومي شُرفت بل شُرفوا بي === بنفسي فخرت لا بجدودي

وبهم فخر كل من نطق الضاد === وعوذ الجاني وغوث الطريد

ويقول البارودي:

فلا حَدٌّ يباعدُنا === ولا دين يفرقُنا

لسانُ الضادِ يجمعنا === بغسان وعدنان

وكان عباس محمود العقاد يرى أن العربية أجدر أن تسمى بـ (لغة الحاء) بدلا من (لغة الضاد). وذكر مثالا لذلك كلمات تبدأ بـ /الضاد/ مثل الضرر والضيق والضير والضنك والضياع الخ. أما /الحاء/، فهي تدل، عنده، على معان أشرف مثل الحب والحسن والحرية والحياة والحق الخ.

لا أريد مناقشة قول العقاد رحمة الله عليه، فحديثه مبني على الذوق وليس علميا، والذوق والحس لا يعتد بهما في الحديث العلمي، فضلا عن أنه يبدو أنه كان يتطير بالضاد والله أعلم .. ثم وما لي وتطير العقاد إن صحّ!

ما أريد أن أطرحه هو أن حرف /الضاد/ ليس مخصوصا بالعربية الشمالية وحدها كما كان الأوائل والمتأخرون، فلقد كان حرف /الضاد/ موجودا في كل اللغات السامية، إلا أنها كلها أهملته بل دمجته في /الدال/ تارة وفي /الظاء/ تارة أخرى، إلا العربية الشمالية (عربيتنا الفصيحة) والعربية الجنوبية (الحميرية والحضرمية والقتبانية والسبئية) والعربية الوسطى (اللحيانية والثمودية) بالإضافة إلى الأوغاريتية والحبشية.

إذن حرف /الضاد/ موجود في العربية بلهجاتها الكثيرة، وفي الحبشية وهي خليط من العربية واللهجات الإفريقية بعد هجرة قدامى اليمينيين إلى إفريقيا. أما الأوغاريتية فورود /الضاد/ فيها ملفت للنظر، ذلك أن الأوغاريتية هي لغة سامية كانت تستعمل في غربي سورية ابتداء من مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد، واحتفاظها بحرف /الضاد/، بعكس كل اللغات السامية الشمالية، دليل على أن الأوغاريتيين لم يكونوا من الكنعانيين، بل كانوا عربا هاجروا إلى الشمال وقهروا الكنعانيين وأسسوا الدولة الأغاريتية في رأس شمرا غربي سورية. ومما يعضد هذا الرأي، الذي ذهب إليه أكثر من باحث في تاريخ الأوغاريتيين، أن للأوغاريتية أبجديتين: واحدة تحتوي على اثنين وعشرين صوتاً لكتابات العامة، وأخرى فيها ثمانية وعشرون صوتاً لكتابات الخاصة، فضلا عن شبه لغتهم المثير للانتباه بالعربية. وهذا، بالضبط، ما جعل بعض الباحثين يعتقدون بأن ملوك الأوغاريتيين كانوا عرباً غزوا غربي سورية وأنشؤوا فيها مملكتهم، فاستعملوا الأبجدية ذات الثمانية والعشرين حرفا لكتاباتهم هم، وتركوا عامة الكنعانيين، الذين كان الأوغاريتيون يحكمونهم، يكتبون بأبجدية تحتوي على اثنين وعشرين حرفا تماما مثل الأبجدية الفينيقية والآرامية والعبرية .. لذلك نرى حرف الضاد قد اختفى من الفينيقية والآرامية والعبرية وسائر اللغات الكنعانية، تماما مثلما اختفت حروف /الظاء/ و/الخاء/ و/الثاء/ و/الذال/ و/الغين/ من الفينيقية والآرامية والعبرية من جهة، ومن أكثر اللهجات العربية المحكية اليوم من جهة أخرى ..

وأما في العبرية، فقد اندمج حرف /الضاد/ هو و/الظاء/ في حرف /الصاد/ كما يبدو من هذا المثال (قارن: ???: /صبي/ < ظبي و???: /صحق/ < ضحك). وأصوات العربية هي الأصل في الدراسات السامية. وهنالك إجماع بشأن ذلك بين المشتغلين باللغات السامية، عمره أكثر من قرن، لا يزال منعقداً حتى اليوم، مفاده أن الأصوات السامية الأصلية هي تسعة وعشرون صوتاً، ورد جميعها في الحميرية فقط. أما عربيتنا الشمالية فتحتوي على ثمانية وعشرين حرفاً منها. والحرف التاسع والعشرون الموجود في العربية الجنوبية (الحميرية) وغير الموجود في العربية الشمالية، هو حرف بمنزلة بين منزلة الـ /سين/ ومنزلة الـ /شين/ في النطق، ولا يعرف أحد كيف كان يلفظ في الماضي، ذلك لأن الحميرية لغة مندثرة (ويقابله في العبرية حرف الـ: /ساميك/ ?، الذي كان يلفظ بطريقة مختلفة عن الـ /سين/: ?، إلا أنهما أصبحا صوتاً واحداً في العبرية لاندثار العبرية قروناً طويلة قبل إحياء اليهود لها، مما يجعل معرفة نطقه الأصلي،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير