تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[النحت عند المعاصرين ...]

ـ[أنس بن سليم الرشيد]ــــــــ[22 - 08 - 2008, 02:58 ص]ـ

اعترض (الأب أنستاس الكرملي) على ما قرره معظم أعضاء المجمع اللغوي العراقي من أن النحت مقبول وهو وسيلة من وسائل نمو العربية وتطورها .. ؛ إذ احتج بعدم الحاجة إلى النحت؛لأن علماء العصر العباسي مع وجود حاجتهم إلى ألفاظ جديدة لم ينحتوا كلمة علمية واحدة , فضلا عن أن العرب لم تنحت الألفاظ التي يكثر ترددها على ألسنتهم , .. ومثلها عندنا الآن: أيش وليش وموشي أي " ما هو شيء" , وشنو أي " أي شيء هو " ...

وينقض قولَه: (لم ينحتوا كلمة علمية واحدة) قولُ الجاحظ الذي جاء في (البيان والتبيين): ( ... وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم , فصاروا في ذلك سلفا لكل خلف وقدوة لكل تابع. ولذلك قالوا: العرض , والجوهر ... وفرقوا بين البطلان والتلاشي , وذكروا الهذيّة والهُويّة والماهية , وأشباه ذلك .. )

ونجد من الأستاذ ساطع الحصري رأيا مضادا لرأي أنستاس الكرملي؛ إذ يرى أن نقدم على النحت والاختزال بمقياس واسع.

ثم وضع قاعدة عامة للنحت وهي: (أننا نعبّر عن كثير من المعاني العلمية بتراكيب متنوعة. فإذا كانت هذه التراكيب قصيرة وسهلة , يمكننا أن نستمر في استعمالها على حالها , أما إذا كانت طويلة وصعبة فمن مصلحة العلم واللغة أن ننحتها لأجل تسهيل استعمالها وانتشارها).

وإذا نظرنا إلى قول الدكتور مصطفى جواد: ( ... أود أن أشير إلى أني لا أركن إلى النحت في المصطلحات الجديدة إلا نادرا ... لأنه نادر في العربية ويشوه كلمها)

نجده يوافق , ويده على قلبه من أن يُساء إلى العربية.

ولو تأملنا بعض الاقتراحات التي طرحها الحصري مثل: (القبمدرسي) نحتا من قولنا (قبل المدرسي) و (قبتاريخ) من (قبل التاريخ) ... نجد أن خوْف مصطفى جواد في مكانه. وإني أراه ناقض قاعدته السابقة؛ إذ الكلمات قصيرة!

لكنّ قوله (عمركزي) من قولهم (القوة الطاردة عن المركز) مقبول؛ إذ اللفظ طويل وشاق.

ومما يدل على توسع الحصري الغريب وتناقضه مع قاعدته اقتراحه باختزال الأشياء الدالة على المكان كـ (خارج , وفوق , وتحت) فنقول: خا ,فو , تح ... !!!!!

ولو جئنا وقلنا لمن تأثر لسانهم ببيئات أجنبية: إن معنى ( day dream ) حلْقظة!! لنفر سمعه منها ولربما اتهم العربية بأنها مشوّهة!! وما أدري ما يضير لو قلنا لهم إن معناها (أحلام اليقظة) أفيها صعوبة؟! بل ستكون مقبولة حتى عند عامة الناس؛ لأن المعنى اللغوي ظاهر لديهم.

سيحتاجون فقط لمن يشرحها لهم اصطلاحا

أما (حلقظة) فسيقولون: ما معناها لغة واصطلاحا؟؟!!

ومع هذا نقول: إن للحصري جهودا مقبولة في نحت مصطلحات علمية أجنبية كنحته (حيثومة) من حيوان وجرثومة في مقابل المصطلح الأجنبي

( sporoyoaire)..

وفي كل الأحوال نشم من الحصري رائحة الرجل الغيور المحب للغته.

ونجد أيضا أنيس فريحة ممن يرفض النحت ويناقض نفسه ..

يقول: (إن الجذور العربية تأبى النحت؛ لأنك إذا حذفت حرفا من الحروف الأصلية أفسدت المعنى ... )

حجة كبيت العنكبوت!! فلو قال اللفظ لكان له وجه!

ومع ذلك نجده يعرف النحت بأنه دمج كلمتين بعد حذف وصقل!! فإذا كان يقصد بالتعريف العربية!! فكيف يقول بأن الجذور تأباها وقد مثل للنحت بالماهية!!!

وإن كان يقصد اللغات الأخرى فقد ذكر – مثلا –

(بيولوجيا) وقال: إنها منحوتة من لفظين بعد حذف وصقل , من

( BIOS ) ومعناها: الحياة ومن ( LOGOS ) أي الكلمة!!

فهذا اعتراف بالنحت!!

ولو كان النحت تأباه الجذور العربية لما ذكره إمام اللغويين وعظيمهم الخليل بن أحمد في معجمه النفيس (العين) لما ذكر (عبشمي) أنشد قول الشاعر:

وتضحك مني شيخة عبشمية

كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

ثم قال: (نَسَبَهَا إلى عَبدِ شَمْسِ فأَخَذَ العين والباء من (عَبْد) وأَخذَ الشينَ والميمَ من (شَمْس) وأسقَطَ الدال والسِّين فَبَنى من الكلمتين كلمة فهذا من النَّحت , فهذا من الحُجَّةِ في قَوْلِهم: حَيْعَلَ حَيْعَلة فإنها مأخوذة من كلمتين (حَيّ عَلى))

ومع تقديرنا الكبير لهؤلاء الأفاضل , إلا أني في بعض الأحايين أقول: هذا لا يقع منهم عفويا , فكما رأينا الدكتور إبراهيم أنيس ينكر الإعراب في العربية!! نرى هنا أنيس فريحة يأتي بكلام غريب ومن كلامه:

(ولا تقعن في الوهم الذي يقع فيه بعض الناس!! من اعتبار كلمة (حوقل) وأشباهها أنها كلمات منحوتة , هذه مختصرات لعبارات وجمل وليست نحتا بالمعنى اللغوي)

وما أدري ما السبب في هذه المخالفة العجيبة؟!!

والذي يجعلني أحسن الظن عدم استمرار المخالفة , فالدكتور إبراهيم أنيس أتى برأي فاضح في قضية الإعراب بينما نجده هنا في النحت يقول: ( ... نشعر أن النحت في بعض الأحيان ضروري يمكن أن يساعدنا على تنمية الألفاظ في اللغة؛ ولذا نرى الوقوف منه موقفا معتدلا , ونسمح به حين تدعو الحاجة الملحة إليه , ولاسيما حين يجري على نسق من الأمثلة القديمة).

وأما مجمع القاهرة فإن أعضاءه مترددون في قبول قياسيته من عدمها , فبعضهم يرون الوقوف منه على حد السماع , والبعض الآخر يرون ضرورة جعله قياسيا. وقد أجاز المجمع النحت عند الضرورة.

أنس بن سليم الرشيد

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير