تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهو راديكالي (ثوري) ولم تشر المصادر انه مدح من اجل المال وإنما من اجل قضية ذاد عنها مما تسببت بقتله ومن الغريب بالأمر أن المتنبي كان يتوقع قتله مما دفع بعض الباحثين إلى اتهام الدولة بدفع المال إلى فاتك الأسدي أشهر قاطع طريق في وقته لكي يقتله. إن قيام سيف الدولة له من مكانه عند دخول المتنبي إجلالا له وتقديرا يدل على المكانة الرفيعة التي يتمتع بها المتنبي وزد على ذلك أن رجال الدين في ذلك الوقت يستشهدون بشعره (6) مما يدل على المكانة الرفيعة التي يتمتع بها وهذا مما يؤدي إلى القول إن المتنبي قد رمته الدولة زورا وبهتانا بإدعائه النبوة لأنه قاد ثورة ضدها في بادية السماوة (7) ومن الغريب انه لم يسجن في العراق بل اقتيد إلى حمص لأن العراق ـ كما أعتقد ـ موئل محبيه ومناصريه ولأن ثورته كانت بسبب مطالبته بتعريب الحكم في العراق كما ويرجح الدارسون أن ثورته واقتياده القبائل العربية في الجنوب يدل على زعامته الروحية لذا يمكن القول إن المتنبي قد ورث الزعامة الروحية من عائلته ولاسيما إذا رجحنا القول بسيدويته فقد أكد المتنبي على عروبته من خلال تصرفاته وتصريحاته الكثيرة في شعره فهو كما يقول عربي الوجه واليد واللسان وهذا ما يرد على ادعاء طه حسين من أن الشاعر من اصل قرمطي!!! مع أن المتنبي كان من ألد أعدائهم فقد حاربهم عندما هجموا على الكوفة فضلا عن اعتزازه بقوميته العربية كما أسلفنا وإذا أمعنا النظر نجد أن هذا الشاعر ذو نفس عربي أصيل لاسيما عندما يفخر بنفسه وبطيب إسرته في مجلس سيف الدولة الحمداني إن عملية هروب جدته به عند ولادته لهو حجة على أن المتنبي ذو شأن سياسي عند الدولة فضلا عن طلب الدولة لوالده فهل كان والده نقيب الطالبيين في الكوفة؟ (8) سئل المعري عن المتنبي وهل فعلا ادعى النبوة؟ فصرح برأيه من أن الكلمة أتت من كلمة (النبوة) بفتح الباء أي المكان المرتفع (9) وهو يشير إلى عدم ظنه بالمتنبي هذا الظن (إدعائه النبوة) لأنه ـ أي المتنبي ـ (قد طمع بشيء قد طمع فيه من هو دونه ولكن الدنيا حظوظ) (10). يروي الشاعر علي بن عبد الله بن وصيف الناشيء الصغير من أن أبا الطيب (كان يحضر مجلسه في مسجد الكوفة عام 325هـ ولم يكن يعرف عندها بالمتنبي بعد) (11) , وهذا يجرنا إلى القول بان المتنبي لم يعرف بهذا الاسم حتى بعد خروجه من السجن أي انه سجن بتهمة ليست لها علاقة بإدعائه النبوة لأن هذه السنة وهذه الحادثة وقعت بعد سجنه. كما أن شعره في جدته يثير بعض علامات الاستفهام فهو يقول فيها:

(ولو لم تكوني بنت أكرم والد / لكان أباك الضخم كونك لي أما) فضلا عن شعره الرثائي فيها:

(لئن لذ يوم الشامتين بيومها / لقد ولدت مني لأنفهم رغما) (تغرب لا مستعظما غير نفسه / ولا قابلا إلا لخالقه أمرا) فلو تساءلنا قليلا من هم الذين يشمتون بموت امرأة عجوز طاعنة في السن هي جدة المتنبي سوى أن موتها قد أسدل ستارا على نسبه وقضيته الثورية والمهمة التي كانت مناطة إليه؟. ومن طريف ما يروى إن احد مبغضي المتنبي في بغداد أراد أن لا يستوطن مدينة يذكر فيها المتنبي!! فكان كلما حل في مدينة وسمع ذكرا للمتنبي فيها رحل عنها حتى أوصله كرهه لهذا الشاعر إلى قرية نائية من قرى تركيا فسأل فيها عن المتنبي فلم يعرفوه فاستوطنها وبعد أسبوع سمع خطيب الجمعة ينشد بعد ذكر أسماء الله الحسنى قول المتنبي: (أساميا لم تزده معرفة / وإنما لذة ذكرناها) فقفل الرجل راجعا إلى بغداد!! (12). سيبقى المتنبي شامخا كالطود في سماء الشعر العربي مهما حاول أعداءه الانتقاص منه ومن نسبه فسيزيده ذلك شرفا ورفعة وشهرة بين الناس ولااغالي إذا قلت إن المتنبي عندنا كشكسبير عند الإنكليز وما زالت البحوث والدراسات في شعر هذا الشاعر لا تنتهي لأن شعره يقبل التأويل في كل زمان ومكان فقد ركب هذا الشاعر ونهج في شعره السهل الممتنع ويتميز شعره بلغة زيتية منسابة محبوكة ومتجانسة كقطعة جوهر مصقولة ملساء يفهم شعره كل الناس بمختلف طبقاتهم الثقافية فهنيئا لهذا الشاعر فوزه بقصب السبق والقدح المعلى على بقية الشعراء وهنيئا لنا نحن أهل العراق بولادة أعظم شاعر في العربية في بلادنا التي طالما أنجبت العباقرة من مختلف العلوم والفنون.

إن المؤرخين قد عرفوا أكثر مما كتبوا وإن مقتل المتنبي كان من تدبير البويهيين على يد فاتك الأسدي والغاية منه طمطمة حادثة الاغتيال وإلقائها على عاتق قطاع الطرق الذين قبضوا جيدا من الدولة واستطاعوا أن يسكتوا صوت المتنبي الذي كان يشكل خطرا جسيما على أرباب الدولة وعلى كراسيهم. إن ما طرح من آراء هي مجرد آراء وتعليقات على ماهو مسطور في كتب التأريخ والذي هو النزر اليسير الذي سمحت الدولة بكتابته مما أدى إلى تأويله ممن أتوا بعدهم.

(1) ينظر: المتنبي يسترد أباه, عبد الغني الملاح ص (69ــ70).

(2) ينظر: التطلع القومي عند المتنبي، محسن جاسم عبود ص (38).

(3) ينظر: على هامش ابن الأثير، ابن الشحنة.

(4) تاج العروس, للزبيدي, ج8, ص (449).

(5) هوامش على نسب المتنبي, عبد الغني الملاح, مجلة آفاق عربية العدد الرابع 1977.

(6) مطالعات في الكتب والحياة, عباس محمود العقاد, ص31.

(7) تاريخ بغداد, للخطيب البغدادي ج4, ص (325).

(8) التطلع القومي عند المتنبي, محسن جاسم عبود, ص (38).

(9) رسالة الغفران, أبو العلاء المعري, ص (413) تحقيق بنت الشاطيء.

(10) نفسه ص (413).

(11) معجم البلدان, ياقوت الحموي ج13.

(12) ينظر: مطالعات في الكتب والحياة, عباس محمود العقاد, ص (31).

.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير