[يا قبر نجدة]
ـ[أمجاد]ــــــــ[26 - 07 - 2007, 06:08 م]ـ
قال محدث:سألت أبا الندى، وكان من أعلم من شاهدت بأخبار العرب هل تعرف من شعر الذلفاء بنت الأبيض في ابن عمها نجدة بن الأسود؟ قال نعم، كنت فيمن حضر جنازة نجدة، حتى وضعناه في قبره، وأهلنا عليه التراب، وصدرنا عنه غير بعيد، فأقبلت نسوة يتهادين،فيهن امرأة قد فاقتهن طولا، كالغصن الرطب، وإذا هي الذلفاء، فأقبلت حتى أكبت على القبر، وبكت بكاء محرقا، وأظهرت من وجدها ما خفن منه على نفسها، فقلن لها: ياذلفاء، إنه قد مات السادات من قومك قبل نجدة،فهل رأيت نساءهم قتلن أنفسهن عليهم؟ فلم يزلن بها حتى قامت، فانصرفت عن القبر، فلما صارت منه غير بعيد عطفت بوجهها عليه، وقالت:
سئمت حياتي حين فارقت قبره
ورحت وماء العين ينهلُّ هامله
وقالت نساء الحي قد مات قبله
شريف فلم تهلك عليه حلائله
صدقن لقد مات الرجال ولم يمت
كنجدة من إخوانه من يماثله
فتى لم يضق عن جسمه لحد قبره
وقد وسع الأرض الفضاء فضائله
قال: قلت: أحسنت والله يا أبا الندى وأحسنت! فهل تعرف من شعرها شيئا آخر؟ قال: نعم، كنت ممن حضر قبر نجدة عند زيارتها إياها تمام الحول، فرأيتها قد أقبلت حتى أكبت على القبر، وبكت بكاء شديدا،ثم أنشأت تقول:
يا قبر نجدة لم أهجرك مقلية
ولا جفوتك من صبري ولا جلدي
لكن بكيتك حتى لم أجد مددا
من الدموع ولا عونا من الكمد
و آيستني جفوني من مدامعها
فقلت للعين فيضي من دم الكبد
فلم أزل بدمي أبكيك جاهدة
حتى بقيت بلا عين ولا جسد
والله يعلم لولا الله ما رضيت
نفسي سوى قتل لها بيدي
قال: فقلت: أحسنت والله يا أبا الندى وأحسنت! فهل تعرف من شعرها شيئا آخر؟ قال: نعم، حضرنا في زمن الربيع ونحن في رياض خضرة مشعبة، فركب الفتيان، وعقدوا العَذَب الصفر (1)،في القنا الحمر، وجعلوا يتجاولون.
فلما أردنا الانصراف، قال بعضنا لبعض: ألا تجعلون طريقكم على الذلفاء؟! لعلها إذا نظرت إليكم تسلت بمن بقي عمن هلك!
قال: فخرجنا نؤمها فأصبناها خارجة من قبائها، وهي كالشمس الطالعة، إلا أنه يعلوها كسوف الحزن، فسلمنا عليها، وقلنا: يا ذلفاء، إلى متى يكون هذا الوجد على نجدة؟! أماآن لك أن تتسلي بمن بقي من بني عمك عمن هلك؟ ها نحن سادات قومك وفتيانهم ونجومهم، وفينا السادة و الذادة، والبأس والنجدة، فأطرقت مليًا، ثم رفعت رأسها باكية وهي تقول:
صدقتم ْإنَّكم لنجومُ قومي ليوثٌ عندَ مختلفِ العوالي
ولكن كان نجدةُ بدرَ قومي وكهفهم المنيفَ على الجبالِ
فما حسنُ السماءِ بلا نجومٍ وما فخرُ النجومِ بلا هلالِ
ثم دخلت خباءها، وأرخت سترها، فكان آخر العهد بها.
(1) الرايات.
ـ[ابو الفوارس]ــــــــ[26 - 07 - 2007, 08:13 م]ـ
بارك الله فيك أخيتي
مع أن ما كتبتيه كان يثير العواطف عندي لكن أثابك الله.
ـ[صاحبة القلم]ــــــــ[26 - 07 - 2007, 10:09 م]ـ
كلمات جميلة أختيي أمجاد ... ولكن اسمك المستعار أجمل:) ... "أمجاد" جعلك الله ممن يصنعون مجد الأمة:) ....
بارك الله فيك وجزاك الله كلّ خير ...
تحياتي ...
ـ[محمد سعد]ــــــــ[27 - 07 - 2007, 12:29 ص]ـ
أمتعتينا أخت أمجاد اختيار موفق أثرت العواطف. شكراً لك.
ـ[أمجاد]ــــــــ[28 - 07 - 2007, 06:40 ص]ـ
وكيف يكون الشعر شعرا إذا لم يثر العواطف!!
(صاحبة القلم) آمين، شكرا لك أختي العزيزة.