تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[على حافة الابداع]

ـ[مثنى كاظم صادق]ــــــــ[29 - 07 - 2007, 09:30 ص]ـ

[على حافة الابداع]

مثنى كاظم صادق

ضاق صدر الفرزدق في احدى ليلي الصيف التي خالها دون نهاية بعد ان استعصى عليه الشعر فصعد الى مكان مرتفع صارخا بأعلى صوته (اخاكم ابا ليلى اخاكم ابا ليلى) فمن هو ابو ليلى هذا وما قصته؟

لاريب ان العرب قد اعطوا اهتماما جما للشعر فهو ديوانهم الذي يتغنون به في حلهم وترحالهم ولقدسية الشعر عندهم ولمكانته العالية جعلهم ذلك يعتقدون ان الجن والشياطين قد شاركت او تدخلت في انتاجه على لسان الشعراء اذ جعلوا لكل شاعر شيطانا من الجن ينفث على لسانه الشعر ويلهمه قوله ولقد اسموا الوادي الذي تتجمع فيه هذه الشياطين بوادي (عبقر) ومنه اشتقت كلمة عبقري التي تطلق على الانسان المبدع ولقد بات هذا الامر مسلما به حتى انهم فاخروا بشياطين شعرهم فقال احدهم: (اني وكل شاعر من البشر / شيطانه انثى وشيطاني ذكر) ولقد هدد ابو نواس بعض الشعراء من خصومه بشيطان شعره فقال: (فاحذروا صولتي وموقع شعري / واتقوا ان يزوركم شيطاني) واذا قلبت صفحات الادب تجد من هذا الشيء الكثير حتى وصل الامر بهم بتاليف الكتب والرسائل فيها مثل رسالة ابن شهيد الاندلسي (التوابع والزوابع) ويقصد بالتوابع توابع الكتاب من الشياطين والزوابع هم شياطين الشعراء!! الذين يعينوهم على نظم الشعر ولقد اطلق العرب اسماءا على هذه مثل (لاقط بن لافظ / مسحل / هادر / هبيد / ..... ) ولقد تحدث بن شهيد في هذا الكتاب عن رحلته الخيالية وكيف التقى بشياطين الشعراء وبشيطانه المسمى (زهير بن نمير) ولقد اطلق اسم (عتيبة بن نوفل) على شيطان امريء القيس وهكذا دواليك. وقد اختلف الشعراء في كيفية جلب هذه الشياطين لتنفث في لسانهم الشعر فنجد ابا تمام الطائي يضع نفسه في صهريج من الماء عندما يستعصي عليه قول الشعر اما جرير فيتمرغ في التراب عدة مرات عندما لا يجد ما يقوله ولامن يلهمه الشعر وهكذا نجد ان لكل شاعر طريقته لأستدعاء شيطانه وماهذا الشيطان سوى الالهام وهو اذا ازداد ونما عد شكلا من اشكال الابداع الذي هو موهبة من الله تعالى لذا فالالهام ابداع فطري تتداخل فيه الموهبة والابتكار وتنمية كليهما بالدربة والممارسة. والإلهام في علم النفس احدى العمليات العقلية التي تحدث بعد التهيئة ووجود قرائن وان اللحظة التي يلهم فيها هذا الانسان تسمى لحظة التجلي او التنوير (الإشراق) او لحظة الالهام وان مفهوم هذه اللحظة قديم جدا فنجدها عند هوميروس الذي استهل (الإلياذة) بعملية استجداء واضحة لربات الشعر اللواتي انعمن عليه بهذه اللحظة او اللحظات وكان (ابولو) عندهم هو اله الشعر ... يعتقد الكثير من الناس ان اللحظة الابداعية تحدث فجأة وهذا خطأ شائع فالشخص يمر بحالة اختمار ذهني متوقد اذ تتم العملية الإبداعية او اللحظة التي يلهم فيها الشخص وفق ما يتميز به من موهبة أي ان ما يلهم به من أمور وأشياء تكون ذات مصير واتجاه واحد مع ما يتميز به من اختصاص او مهنة او وظيفة كي تتم عملية الإستجابة لهذه اللحظة الاشراقية او التنويرية بصورة فعلية ومفيدة وتسييرها ضمن الإتجاه الصحيح ووفق مايناسبها من توظيف في العملية الإبداعية. إن العملية الابداعية هي اعلى عملية تفكير للأنسان اذ من الممكن اكتشافها عند البشر جميعا وتنمية مايتميزون به من مواهب فنية وعلمية وتهيأة الظروف الملائمة لها واحاطتهم بالرعاية الخاصة اذ ان الناس الأسوياء جميعا لديهم امكانية الأبداع ولكن الامر المهم هو تشخيص هذا الابداع لكل فرد او جماعة وتطوير هذه الأمكانات لديهم. ان دراسة سير المبدعين لاتكفي للخروج بنتيجة مرضية يمكن من خلالها وضع قانون ثابت نسير عليه اذ ان سيرهم مختلفة عن بعضها البعض. لكن من الملاحظ عنهم انهم اشتركوا في شيء واحد هو المعاناة والصراع الداخلي والمآسي التي مروا بها والتي جعلت منهم اناسا مبدعين وجعلت غيرهم اناسا عصابيين يائسين.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير