[فتاة الليل]
ـ[غير مسجل]ــــــــ[18 - 06 - 2007, 04:14 م]ـ
إلى الذين سألوني عن فتاة الليل في وسادتي المبتلة!
خديجة
جاءت خديجة
طلعتْ فتاة الليل من صبح الهواء، فأورقت تيناً وزيتونا ً وألقت
للنخيل تحية الآتين من سفرٍ فأينعت الوجوه شقائقاً ونمتْ
حبيبات الندى مطرا ًَ على تعب القرى
قمراً على الباب العتيق لعالَمٍ نسي الحديث الطفل، والكلمَ
المذابَ مع ارتخاءِ النهرِ أولَ ما ظهرْ
نسي القمرْ
نسيَ التطلعَ للقمرْ
طلعت على مد البصرْ.
جاءت فتاة الليل من صبح الهواء فأسفرتْ
دخلت على الأطفال موالا ً، ومالت للحديث فأزهرتْ
قرأت كتاب الله وانتثرت على الكلمات دفئا ً أسمرا
قمراً على وجع القمرْ.
دمعتْ. . . مشتْ
مشت الدروب على خطاها واكتفتْ
بالصمت حين تحدثتْ:
اللوح أسود
فاستروا عري البلاد وسوأة المدن اللقيطة
واحتموا بوجوهكم
وتبينوا أن جاءكم نبأُ
هذا أنا تعَبٌ، ومرساةٌ، وقيدٌ رافضٌ للقيد
(من يزرع قلوب الناس يُحصد: ذا زمان الحصد
من يسرق يُجازي بالتي. . .)
وضعت يديها فوق نافذة الكلام وأسرجت خيلاً
لعنق الشمس
واحتفلت بميلاد الحروفِ
وأطلقت عصفورها للبوح في طرق السماءِ:
لا تزرعوا قمحا ً من قبل أن يجد الفؤاد طريقة للناس. .
لا تركبوا بحرً من قبل أن يجد الحمام مكانه في القلب. . لا
لا تطلبوا أجراً على وجع الكلام، وحرقة القلب المضرج
قبل أن يفد الحمام.
قالت. . وأسدلت الكلام.
تتذكر الآن البدايةَ
مفرق الطرق القديمة. .
كان " شام "
(إن تغرس السكين في الظهر ستغرسْ
ألف سكين بظهركْ)
جلست على طرف الكلام
هذا معاويةُ الذي. .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويضج طفل البوح في فمها ويشتعل الكلام:
لا تقرأوا التاريخ
زيفٌ ما يسطِّره الذيول
كفاكمو زيفاً على زيف ٍ
سنيُّ العمر مرت ما قرأت حقيقة
مرت كما مرت على الصحراء صائفة الغمام
تعبٌ وحال الناس في الأرض التعب
أن جاءكم نبأ ٌ. .
فهذا ساحل الرؤيا وإن عجَّت به ريح الشمال
تظل أصوات النوارس، صرخة الحيواتِ ملء رماله
فتبينوا أن جاءكم نبأ.
دخلت على الحجرات في القلب المشاع
وجدت رماداً
ملؤه وطنٌ، وأسئلةٌ تثار ولا إجابة في المنابر
لا إجابة في رحيق السيف
وجدت نخيلا ً واقفا ً بالباب منحنيا ً
جداولَ جف فيها الطين
أسرابا ً من الوجع المهاجر
لا أمان
ولا مكان
ودمعتين نوافذ التوق الذي أدمنته عاماً فعاما ً
ثم نمت على الحجارة .. لم أخن
كشفتْ وكم كشفت عن الأوراق في حجراته
وأنا أصيح: قصيدتي وجه الزمن
صرختْ. . صرختُ وما فتئتُ أردد الصلوات في روحي
وأسترق الوطن:
كلا وربِّ السيف والكلمات والمدن الخرافه.
ما ناشني فرحٌ
ولا دونت اسمي في دواوين الخلافه.
مضت الفصول
خلعت جلدي
يا بلادا ً باعها السمسار للسمسار
واستبق الغزاة إلى ملابسها
وتجار الصحافة.
لهفي على وطنٍ يغادرنا
ليسكن في المحافل والفنادق
تترك الصحراء أنجمها
وتبحر في ملفات العويل
وواجهات النشرة الأولى
وأقبية الفراغ
وتترك الأنهار أبناء القرى
لتنام في برك السباحه.
طلَبتْ موانئ
فتَّشتْ في السفْن عن وطنٍ بديل
تعبتْ من البحث الطويل
تعبتْ من الركض الذي يمتد من فرح الأجنة
وانطلاقات الجذور
إلى انحناءات الكهولْ
تعبت من الوطن البخيلْ.
وطنٌ سرابْ
غابٌ من القيم الخرافة
وانتماءٌ مرَّغ الوحل به أنف السحابْ
وطنٌ
عيونٌ فيه تستسقي
وتُسقى جمره
جيفٌ تفتش عن غرابْ.
وطنٌ ترابْ
يقف النخيل وكم يطول الوقت بالنخل
وكم ينأى السحابْ
وطنٌ ضبابْ
إن تدرك الأطراف تدركْك المنية يا معذب
فالتئم بالتربة العذراء
وليكن الغيابْ
غابٌ وغابْ
لا أرض في الأرض التي تهب السوادْ
لا أرض في الأرض اليبابْ
وطنٌ ترابْ
وطنٌ ضبابْ
وطنٌ سرابْ
سرابْ
سرابْ
طلبتْ مداداً
جف ماء البحر
صرختها استحالتْ نبتةً في غرَّة الصحراء
دمعتها استحالتْ قطرةً
(الغيث في الصحراء لا يأتي
إذا تعبتْ أكفُّ الريح وانهزم الجوادْ).
طلبتْ مزيداً من مدادْ
وطلبتُ منها أن نكونْ
أبقيتُ في يدها يديَّ
فكفتْ الدنيا عن التجديف
ذا بحرٌ
وقفنا
والسموات انتهتْ فينا
وكنا راحتين تحوطان الشمسْ
شفةٌ وشمسْ
لغةٌ ترطِّب مبسمين
حمامةٌ ترتاد ساحتنا
نُحِبُّ
نُحِبُّ
يا الله نحن الحبُّ
نحن الصرخة الأولى
ولون الماء والأشياءْ.
لوَّنّا الجداول
فاستدار الماء بالأسماك
واحتفلتْ على يدنا بميلاد الهواءْ.
و لوَّنّا البلابل في صباحٍ غائمٍ بالحب
أسكنَّا حناجرها مفاتيح الغناءْ
و لوَّنّا القبائلَ
ذاب فصُّ الملح
والصحراءُ
من بحرٍ إلى بحرٍ
وهبناها مساء الخير، والكلمات
فرحتَنا
ـ نُحِبُّ. . نُحِبُّ
دفءَ اللحظة الأولى
وطعمَ الخبز ممزوجاً بطعمِ الرمل
وجه النخلة العفويَّ
نحن الحبُّ
نحن الحبُّ
ما كذَب الهوى قسما ً
ولا كذَبتْ يدان تحوِّطان الشمسْ
جاءت على شفةٍ وشمسْ
طلعتْ خديجة من تفاصيل الهواء فأشرقتْ
ونمتْ على يدها القرى
ونما الهوى أبداً
وما كذَبَ الهوى
كلا وما كذبتْ تراتيل القرى.
للشاعر السعودي:
محمد جبر الحربي
الرياض / 1983 م
¥