[أعجب ما رأيت]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[06 - 07 - 2007, 01:57 ص]ـ
قال الشاعر:
وبينما المرءُ في الأيام مغتبط= إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي عليه غريب ليس يعرفه= وذو قرابته في الحي مسرور
هذان البيتان من أبيات منسوبة إلى عثمان بن لبيد العذري، على رواية عبيد الجرهمي ابن سرية أحد المعمرين الذي يقال إنه عاش مئتين وأربعين سنة، وقيل ثلاثمئة سنة.
وحكاية الأبيات أن عبيداً هذا وفد على معاوية فقال له: أخبرني بأعجب ما رأيت، فقال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع، وتمثلتُ بقول الشاعر:
يا قلب إنك من أسماء مغرور= فاذكر وهل ينفعك اليوم تذكير
قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد= حتى جرت لك أطلاقاً محاضير
فلست تدري وما تدري أعاجلها= أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيراً وارضينَّ به= فبينما العسر غذ دارت مياسير
وبينما المرءُ في الأيام مغتبط= إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي عليه غريب ليس يعرفه= وذو قرابته في الحي مسرور
قال عبيد: فقال لي رجل: أتعرف من يقول هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: إنَّ قائله هذا الذي دفنَّاه الساعة، وأنت الغريب الذي يبكي عليه ولست تعرفه، وهذا الذي سار عن قبره هو أَمَسُّ الناس رحماً به وأسَرُّهم بموته. فقال له معاوية: لقد رأيت عجباً، فمن الميت؟ قال: عثير بن لبيد العذري وقيل عثمان بن لبيد العذري، وفي كتاب المعمرين أنَّ الميت حريث بن جبلة.
ـ[الأحيمر السعدي]ــــــــ[06 - 07 - 2007, 01:43 م]ـ
نشكرك أخي محمد لمداومتك على إمتاعنا وبالمناسبه إليك هذه
كأنه قد قيل في مجلس =قد كنت آتيه وأغشاه
محمد صار إلى ربه =يرحمنا الله وإياه
لمحمد بن يسير
ـ[محمد سعد]ــــــــ[11 - 07 - 2007, 04:12 م]ـ
وهذه قصة أخرى غاية في العجب:
قال الأصمعي: "دخلت بعض مقابر الأعراب، ومعي صاحب لي. فإذا جارية على قبر كأنها تمثال، وعليها من الحلي والحلل ما لم أر مثله، وهي تبكي بعين غزيرة وصوت شجي. فالتفت إلى صاحبي فقلت: هل رأيت أعجب من هذا؟
قال: لا والله ولا أحسبني أراه.
ثم قلت: يا هذه: إني أراك حزينة وما عليك زي حزن!
فأنشأت تقول:
فإن تسألاني: فيم حزني؟ فإنني =رهينة هذا القبر يا فتيان
وإني لأستحييه والترب بيننا=كما كنت أستحييه حين يراني
ثم اندفعت في البكاء وجعلت تقول:
يا صاحب القبر يا من كان ينعم بي = بالاً ويكثر في الدنيا مواساتي
قد زرت قبرك في حلي وفي حللي = كأنني لست من أهل المصيبات
أردت أن آتيك فيما كنت أعرفه = أن قد تسر به من بعض هيئاتي
فمن رآني عبري مولهة = عجيبة الزي تبكي بين أموات
والنص السابق للأصمعي يعد مثالاً لما يسمى الانزياح والعدول في التعبير عن المألوف بما يخرق أفق الانتظار عند القارئ.
ويكمن الإنزياح في هذا النص في التعارض الحاصل بين الحالة الخارجية للأعرابية وبكائها بعين غزيرة وصوت شجي، ووجودها في المقبرة على قبر زوجها. فحالتها الخارجية تدل على الفرح وحالتها الداخلية ليست كذلك، لذلك تساءل الأصمعي - باعتباره مخاطبا قائلا لصاحبه:
هل رأيت أعجب من هذا؟ فرد عليه صاحبه مؤكدا غرابة الحالة قائلا: لا والله ولا أحسبني أراه.
فزينة الأعرابية ولباسها لأحسن ما تملك من الحلي والحلل في حالة الموت، فيه خروج عن المألوف، فيه عدول عن المعمول به في طقوس الموت التي تتطلب نوعا معينا من اللباس، ثم إن وجود الأعرابية وهي في حالتها تلك في المقبرة لا يتناسب مع المكان بل يمكن أن يتناسب مع العرس مثلا.