أبو العتاهية عاشقاً
ـ[محمد سعد]ــــــــ[19 - 06 - 2007, 02:20 م]ـ
أبو العتاهية عاشقاً
هذه قصة شاعر توهم الحب لعباً، حتى إذا مسته آلامه لذعه، وصاح يتوجع ويفضح سره بشكواه، وهذا الشاعر الذي اشتهر بزهدياته في أدبنا.
في حب عتبة
مضى أبو العتاهية في نظم الشعر وهو يلهج بحبه لعتبة فمن قوله فيها:
ألا يا عتب، يا قمر الرصافة= ويا ذات الملاحة واللطافه
رزقت مودتي، ورزقت عطفي= ولم أرزق- فديتك- منك رأفه
وصرت من الهوى دنفاً سقيماً= صريعاً كالصريع من السلافه
أظل إذا رأيتك مستكيناً= كأنك قد بعثت عليَّ أفه
وقوله:
أحد قال لي- ولم يدر ما بي= " أتحب الغداة عتبة حقا"
فتنفست ثم قلت: نعم حبا = جرى في العروق عرقاً فعرقا
لو تجسين- يا عتبة- جنبي= لوجدت الفؤاد قرحاً مفقا
قد – لعمري- مل الطبيب، ومل ال= أهل مني مما أقاسي وألقى
ليتني مت فاسترحت فإني= أبداً- ما حييت منك ملقّى
وأجمل من ذلك وأدل على استشعار اللوعة قوله:
بالله يا حلوة العينين زوريني= قبل الممات وإلا فاستزيديني
هذان أمران: فاختاري أحبهما=إليك أولا فداعي الموت يدعوني
ـ[أبو ذؤيب الهذلي]ــــــــ[19 - 06 - 2007, 05:26 م]ـ
ومن رقيقِ وصفهِ لعتبة قوله ..
كأنها من حسنها درة**أخرجها اليم إلى الساحل
ِ
كأنما فيها وفي طرفها** سواحر أقبلن من بابل
ِ
لم يبق مني حبها ماخلا** حُشاشة في بدن ناحل
ِ
أما أبو العتاهية أخي محمد فأزعم أنه من أعقل العشاق ..
حيث قاده عشقه إلى الزهد والتنسك والإقبال على اللهِ والدارِ الآخرة ..
ولم يقده إلى الجنون كصاحبنا قيسِ ليلى .. أو غيره من أصحابنا المجانين: D اللذين ما نفتأ ننذرهم أن انجوا بأنفسكم فما رأينا الحبَ إلا كجنةِ الدجال .. ولكن لاحياة لمن تنادي .. نعود لأبي العتاهية .. ودعني أذكر لك طرفاً من خبرة مع عتبة وكيف قاده يأسه منها إلى الزهد في الدنيا ومافيها ..
حدث أبو العباس يحي بن ثعلب قال: "كان أبو العتاهية قد أكثر في مسألة الرشيد في عتبة فوعده بتزويجها وأنه يسألها في ذلك. ثم دعا به وقال: "ضمنت لك يا أبا العتاهية، وفي غد تقضى حاجتك إن شاء الله". وبعث إلى عتبة: "إن لي إليك حاجة فانتظرني الليلة في منزلك". فأكبرت ذلك وأعظمته وصارت إليه تستعفيه، فحلف أن لا يذكر لها حاجته إلا في منزلها. فلما كان الليل سار إليها ومعه جماعة من خواص خدمه فقال لها: "لست أذكر حاجتي أو تضمنين قضاءها". قالت: "أنا أمتك وأمرك نافذ فيما خلا أمر أبي العتاهية، فإني حلفت لأبيك رضي الله عنه بكل يمين يحلف بها بر وفاجر، وبالمشي إلى بيت الله الحرام حافية، كلما انقضت عني حجة وجبت علي أخرى لا أقتصر على الكفارة، وكلما أفدت شيئا تصدقت به إلا ما أصلي فيه". وبكت بين يديه فرق لها ورحمها وانصرف عنها. وغدا عليه أبو العتاهية فقال له الرشيد: "والله ما قصرت في أمرك ومسرور وحسين ورشيد وغيرهم شهود لي بذلك"، وشرح له الخبر. قال أبو العتاهية: "فلما أخبرني بذلك مكثت مليا لا أدري أين أنا قائم أو قاعد، وقلت: الآن يئست منها إذ ردتك وعلمت أنها لا تجيب أحدا بعدك". فلبس أبو العتاهية الصوف وقال في ذلك من أبيات ..
قطعت ُ منك ِ حبائل الآمالي** وحططت ُ عن ظهر المطي رحالي
ويئست ُ أن أبقى لشيءٍ نلت ُ**مما فيك ِ يادنيا وأن يبقى لي
فوجت ُ برد اليأس بين جوانحي** وأرحت ُ من حلّي ومن ترحالي
ولئن يئست ُ لرب برقة ِ خلَّب** برقة لذي طمع ٍ وبرقةِ آل ٍِ
ما كان أشأم إذ رجاؤكِ قاتلي** وبنات ُ وعدكِ يعتلجن َّ ببالي
فألآن يادنيا عرفتكِ فاذهبي** يادار كل تشتت ٍ وزوال
ِ
والآن أبصرت السبيل إلى الهدى** وتفرغت هممي عن الأشغال
وهذه القصيدة بالتحديد لها في النفس وقع السحر .. لاينتهي تعجبي منها وإعجابي بها .. وما أظنها إلا بعض روح أبي العتاهية سالت فكانت هذه القصيدة ..
والسلام عليكم ورحمة الله
ـ[محمد سعد]ــــــــ[19 - 06 - 2007, 05:41 م]ـ
الأخ أبو ذؤيب: أبدعت، وأمتعتنا بهذه القصة والقصيدة من عيون الشعر. وبحاجة إلى وقفة. فكل الشكر لك. أخي الكريم أنا من مؤيدي كتابة المقطفات المفيدة والتي تستفز القاريء نحو البحث والدراسة، وأعشق كتابة الموسوعات. ما رأيك.
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[20 - 06 - 2007, 09:12 ص]ـ
كانت عتبة هذه جارية للإمام المهدي، فقال فيها أبو العتاهية:
عُتبَ ما للخيال خبريني؛ وما لي؟ =لا أراه أتاني زائرا مُذ ليالي
لو رآني صديقي رق لي؛ أو رثى لي=أو يراني عدوي لانَ من سوء حالي
ويبسط كفه سائلا منتظرا الردّ؛ فيقول:
بسطتُ كفي نحوكم سائلا ماذا تردونَ على السائلِ؟
إن لم تنيلوهُ، فقولوا له قولا جميلا بدل النائلِ
أو كنتمُ العام على عسرةٍ ويليِ! فمنوهُ إلى فابلِ!
ومن أروع ما قاله أبو العتاهية في عُتبة في هجرانها له:
يا إخوتي إن الهوى قاتلي فبشروا الأكفان م عاجلِ!
ولا تلوموا في اتباع الهوى فإنني في شُغلٍ شاغلِ
¥