(فَقْدُ الأحبَّة .. بين العَلَمَيْن)
ـ[أحاول أن]ــــــــ[22 - 06 - 2007, 06:50 ص]ـ
:::
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ..
على المصطفى الحبيب, الذي كل مصاب ٍ بعده هيِّن- صلى الله عليه وسلم-
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد:
فمَن ْ مِنَّا لم يُفجَع ْ بحبيب؟! ومن بيننا لم يفقد غاليا؟!
كلنا مكلوم .. سواء أكنَّا قديمي عهد ٍ أم حديثيه .. ذوي جراح ٍ ندية ٍ أم توشك أن تلتئم؛ لأننا بشر , وهذه حكمة مولانا وبارئنا سبحانه وتعالى ..
ولكننا بعد الفقد فئتان:
فئة ٌ تسعى إلى السلوى ... وفئة ٌ تبحث عن الذكرى ..
الأولى تبكي دمعا مالحا ,و تكتئب كثيرا, بعد الحديث عن الفقيد العزيز ..
والثانية تهمي ندى ً عذبا سائغا , لا تفتأ تذكر .. وما تفتر تردد ,تستمتع بالسرد والإطالة والتكرار لذكريات الراحل الحبيب ..
للفئة الأولى .. أسطر الرثاء ِموجعة فلا تكمل ..
وللفئة الثانية .. أسطر ممتعة تجمع وتتذكر نزرا مما قاله الشاعران الكبيران (أبو تمام والمتنبي) .. في فلسفة الموت .. سنتذكر لكل منهما شيئا من رثاء .. لمن؟ وكيف؟
حول هذا الزائر الحتمي .. الذي نسعى إليه مغمضي الأبصار , حاسري التفكير .. لا ندري بأي أرض .. ولا في أي حال .. فنسأل الله حسن الختام ..
ولنبدأ بكيف تلقى الشاعر النعي؟
حين يصعق النبأ الأرواح؟ و يحرق النعي الأفئدة .. ما أسعد من لا يعقل .. !!
أصم َّ بك الناعي وإن كان أسمعا **وأصبح مغنى الجود ِ بعدك بلقعا
في آن الذهول ِ نقول: يا ليت أن الصدق لم يُعرَف! نتشبث بالأمل .. لعل طوقا من كذب ٍ ينقذنا:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ٌ ** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب ِ
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ** شرقت ُ بالدمع حتى كاد يشرق بي!
وما أسرع نعي الأحبة .. فهو يطوي المساحات .. ويخترق ُ الآفاق ..
ويطوي في ثنياها أصدق الخلجات .. ويخترق مع أجزائها أعمق الآماق ..
وبعد الخبر نعتب كثيرا على من لا يبكي كثيرا ..
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ُ ** فليس لعين ٍ لم يفض ماؤها عذر ُ
وكم نُدهَش حين نرى الكائنات الحية تستمر في القيام بوظائفها المعتادة!!
ألا تشعر أن طائفة ً إنسانية ً ممثلة ً في جسد ٍ واحدٍ رحلت من هنا!!؟
ما أمرَّ أن نرى الأشياء لا تُفجَع معنا!!
كأن الموت لم يفجع بنفس **ولم يخطر لمخلوق ٍ ببال ِ
وأفجع ُ من فقدنا من وجدنا **قبيل الفقد , مفقود المثال ِ!
ولا أوجع , ولا أدمى , ولا أدمع من حمل الحبيب على الأكتاف .. فلا يدري النعش , ولا الأكفان أي عظام ٍ ... عظام ٍ تلف ..
إنه هناك ..
مرفوعا كما كان يعلونا دوما , سبَقَنَا كما كان يفعل دوما ..
بهدوء .. أنصت بصوت ٍ داخلي هادئ لمشاعر المتنبي الداخلية خلف الجثمان:
ما كنت ُ أحسب ُ قبل َ دفنك في الثرى ** أن الكواكب َ في التراب ِ تغور ُ
ما كنت ُ آمل قبل َ نعشك أن أرى **رضوى على أيدي الرجال ِ تسير ُ
وما عبارات العزاء الأولى إلا قطعا ملحية حارقة .. تنثر على جراح ٍ مفتوحة ٍ فتزيدها نزفا وألما .. وبالذات حين يكون الراحل ممن لا عزاء فيهم .. لا عزاء إلا الدعاء الصادق ..
وحين تكون معزيا مبكرا فلا تذكر مآثر الفقيد ,ولا تلهج إلا بالدعاء, لا توغل بخنجر عباراتك في أسماع ٍ جريحة , لئلا تتصعّد الدماء ُ إلى أحداق ٍ قريحة , أو تهوي النبضات من أفئدة ٍ ذبيحة ..
ابتهل بالدعاء وحسب ..
عليك سلام الله وقفا فإنني ** رأيت ُ الكريم الحُر ّ َليس له عمر ُ
ولأن المساء حزين .. فيا لَطول ِ أول أيام الفقد!
ويا لَلوعة المكان , والزمان , والإنسان .. !
توفيت الآمال بعد محمد ٍ **وأصبح في شغل عن السفر السَّفْرُ
وما كان إلا مال من قل ماله **وذخرا لمن أمسى ليس له ذخر ُ
غدا غدوة ً والحمد نسج َ ردائه **فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر ُ
تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى **لها الليل ُ إلا وهي من سندس ٍ خضر ُ
يعزّون عن ثاو ٍ تعزَّى به العلا **ويبكي عليه الجود ُ, والبأس , والشِّعر ُ
وأنَّى لهم صبر ٌ عليه وقد مضى **إلى الموت ,حتى اُسْتُشهِدا ,هو والصبر ُ!
وإن أبطأ ذلك الليل ُ في المسير .. إنه لَمُتْعَب ٌ , مصَاب ٌ , تتعثر كواكبه حيث ُ كُسِرَ أسناها ,فهي تظلع .. فاقبلوا عذره:
¥