رأى شبحاً وسط الظلام فراعه =فلما بدا ضيفاً تسوّر واهتمّا ر .. وتشتد عقدة القصة حتى تصل منتهى الشد:
فقال ابنه لما رآه بحيرة =أيا أبتي اذبحني ويسّر له طعما
ولا تعتذر بالعدم عل الذي طرا =يظن لنا مالاً فيوسعنا ذما
فروّى قليلاً ثم أحجم برهة =وإن هو لم يذبح فتاه فقد همّا
وقال هيا ربّاه، ضيف ولا قرى؟ =بحقك لا تحرمه تاالليلة اللحما
ثم تأخذ الأزمة في الانفراج، ويبدأ حل العقدة:
فبياهما عنت على البعد عانة=قد انتظمت من خلف مسحلها نظما
عطاشاً تريد الماء فانساب نحوها =على أنه منها إلى دمها أظما
فأمهلها حتى تروت عطاشها =فأرسل فيها من كنانته سهما
فخرّت نحوص ذات جحش سمينة =قد اكتنزت لحماً وقد طبقت شحما
وانحلت العقدة .. ثم تليها الإضاءة الأخيرة:
فيابشره إذ جرّها نحو قومه =ويابشرهم لما رأوا كلمها يدمى
فباتوا كراماً قد قضوا حق ضيفهم =فلم يغرموا غرماً وقد غنموا غنما
وبات أبوهم من بشاشته أباً =لضيفهم والأم من بشرها أما
ولئن يسبق الحطيئة إلى ريادة القصة الشعرية، وجاءت على لسانه غاية في الجودة والإتقان تصويراً ومبنى ومعنى لفضيلة الكرم وأنفة العربي من البخل .. والذم المقترن به كما رأينا، فلقد قال أبياتاً هي أعذب الشعر وأجمله كقوله:
ولست أرى السعادة جمع مال =ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخراً =وعند الله للأتقى مزيد
وقوله:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه =لا يذهب العرف بين الله والناس
ومن أعذب شعر الحطيئة، تلك الأبيات الاستعطافية الشهيرة التي أنشدها سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عندما سجنه بسبب هجائه للزبرقان بن بدر أحد سادات بني تميم، لقد أثرت تلك القصيدة في نفس الخليفة الثاني ـ رضي الله عنه ـ فرق لحال أولاد الحطيئة، فأطلقه واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، والقصيدة مشهورة ومطلعها:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ =زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
غيبت كاسبهم في قعر مظلمة =فاغفر عليك سلام الله يا عمر ويعتبر نقاد الأدب العربي القدماء، أن أبياته التالية في المدح مما لا يلحق له غبار، أما النقاد المحدثون، فمنهم الدكتور محمد غنيمي هلال الذي أعتبرها من القصائد التي امتازت بالجزالة التي تتوافر للفظ إذا لم يكن غريباً ولا سوقياً .. وهي كما نرى تنبض بالحكمة من داخلها وإن كان ظاهرها الاستجداء والمدح:
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها =وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدُّ
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم =من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى =وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها =وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
المراجع
1ــ ديوان الحطيئة، برواية وشرح ابن السكيت، دراسة وتبويب، د. مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبيعة الأولى 1413هـ ــ 1993م.
2ــ الشعر والشعراء، لأبي محمد عبدالله بن مسلم ابن قتيبة، دار إحياء العلوم، بيروت، ط3، 1407هـ ــ 1987م.
3ــ النقد الأدبي الحديث. د. محمد غنيمي هلال.
ـ[ابو الفوارس]ــــــــ[18 - 07 - 2007, 10:18 ص]ـ
عطاشاً تريد الماء فانساب نحوها*******على أنه منها إلى دمها أظما
ألا يكفي هذا البيت؟ ليكون الأفضل
بارك الله فيك أستاذي الفاضل و شكراً لك لتلبيتك رغبتي.
مع أني كنت أتمنى أن تكتب رأيك الشخصي.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[18 - 07 - 2007, 10:37 ص]ـ
تكرم أخي العزيز، أرى الحطيئة اقتفى زهير بمعنى أنه من الشعراء الكبار، وهذا الرأي له ما يؤيده، ولكن الأمر بحاجة إلى ورقة بحثية لعلي أكتبها بعد حين، فبين يدي أكثر من بحث.