تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكل وجه، و يقولون في مثل زيادة الالف في {لأأذبحنه}، أنه تنبيه على أن الذبح لم يقع، و في زيادة الياء في {بأييد}، تنبيه على كمال القدرة الربانية، و أمثال ذلك مما لا أصل له إلا التحكم المحض، و ما حملهم على ذلك غلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهم النقص في قلة إجادة الخط، و حسبوا أن الخظ كمال، فنزهوهم عن نقصه، و نسبوا إليهم الكمال بإجادته، و طلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه، و ذلك ليس بصحيح). و مثله من قال بالزوائد، و قولنا أن لا زيادة في القرآن في حرف و لكن الزيادة في أجر قارئه و العامل به و المتدبر فيه بأمر يعلمه الله و يقدره، و قد جاء على لسان رسوله كلاما يوضح ذلك و يعضده، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترُجَّة، ريحها طيِّب وطعمها طيِّب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيِّب وطعهما مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر}، مثل الماهر بالقرآن ... الحديث، و يقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}، فدل ذلك على أن كل شيء موزون في القرآن و كل شيء مرتب.

ثم إن الكلام عن الزوائد في القرآن أمر لا يعلمون دقته و لا يفهمون بواطنه، لأنهم جهلوه، و ما عرفوا عنه، و لا دققوا فيه، {حدثنا صدقة بن الفضل: أخبرنا ابن عيينة: حدثنا مطرِّف قال: سمعت الشعبي قال: سمعت أبا جحيفة قال: سألت علياً رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ وقال مرة: ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهماً يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر}، و مثله من يحمل القرآن على علم من العلوم الحديثة، كالقول في الرتق و الإنفجار العظيم ... و إنما قالوا هذا الكلام لأنهم يحملون القرآن على علم جاء بعده و ربما استنبط منه كعلم النحو و الإملاء ... و هو ربما عين ما فعله ابن خلدون حين أراد تحميل القرآن على ضوابط الخط و قواعده و هو يجهل أن الضوابط و القواعد التي يعتمد عليها في تخطيء الصحابة رضوان الله عليهم إنما جاءت بعد نزول الوحي و منه أخذ و على رسمه استند و بني، و ربما كان غفلة منه، و التالي فحجته في محاججتنا بما قال في حق الصحابة هنا كحجة أهل الكتاب حين كانوا يحاجون في إبراهيم و بجواب الله لهم نجيب جمعهم، يقول تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.

و جوابا عن وصفهم بالبداوة و التوحش نقول إن التوحش ليس فيمن جاءهم كتاب الله فحفظوه و تعلموه و التزموا به و عملوا، و لكن التوحش فيمن جاءهم كتاب الله فما علموه و لا دققوا فيه بل شككوا .. ثم لنرجع إلى ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو ألزم لنا و أفيد، يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: {خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا}، و قد فقهوا لأنهم من مدرسة محمد صلى الله عليه و سلم تعلموا و تخرجوا فعلموا العالم و سطروا التاريخ .. و لست أفهم ما قاله أنهم حفظوه تبركا و لا أصدقه، لأنهم ما كانوا يتبركون بمحمد صلى الله و سلم و هو نبيهم حتى يتبركوا بأصحابه، لا بل نهاهم عن ذلك فقال عليه الصلاة و السلام: {لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم}، و الحق أن كلامه من أين أخذته عاطل و أمره من أين عالجته باطل .. و كنت تمنيت انه ما أتى بمثال حين قال ( ... و يقولون في مثل زيادة الالف في {لأأذبحنه}، أنه تنبيه على أن الذبح لم يقع، و في زيادة الياء في {بأييد}، تنبيه على كمال القدرة الربانية، و أمثال ذلك مما لا أصل له إلا التحكم المحض ... )، و عن ذلك نجيب بما يلي: إنه لو سأل قارئ القرآن عن معنى الزيادة هنا لكان أصوب .. و التالي أن تتدبروا معناها و خرجوا الحكمة من كتابتها على النحو الذي كتبت به زمن النبي بالوحي .. و لربما يعجز عن إدراك معناها أهل اللغة لأن القرآن لا يقيد و هم يحاولون تقييده بما وضعوا من قواعد اللغة .. لأنه هنا و في مواضع كثيرة قد تجاوز اللغة .. و ربما أشار إلى نوع من العلوم الحديثة التي منها علوم العدد و علوم التشفير .. و اقتضى وحي الله تعالى أن يكون مخصوص الشفرة لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله أبدا ..

و قد كتب القرآن في عهده صلى الله عليه و سلم برسم الوحي، و هو ما نذهب إليه، فالرسم العثماني الذي ينسبه البعض إلى عثمان رضي الله عنه- لظنهم أن القرآن جمع في عهده و قد أشرنا لغير ذلك- هو عينه رسم الوحي، و إنها لنعمة آتاها الله تعالى عثمان رضي الله تعالى عنه أن جمع الأمة فقرنت اسم هذا الصحابي برسم كتابه و خط وحيه .. و إن هذه من النعم الكثيرة التي خص الله تعالى بها صحابة رسوله صلى الله عليه و سلم الذين هم حماة دينه و دعاة الناس إلى شريعته .. و الناظر في حقهم رضوان الله عليهم أجمعين يجد أن منهم من نزل فيه قرآنا باسمه يتلى .. و منهم من وافق القرآن كلامه .. و منهم من ذكر رمزا ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير