تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[إلى متى؟]

ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[06 Nov 2009, 03:41 ص]ـ

إن مما يؤسف له أن تعايش أو تقرأ لمن لا يحترم ولا يقدر بل يسفه أراء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المفسرين وغيرهم، فلا أدري من حاله هذا أهو متأثر بالدراسات الغربية أو هو مما جبلت عليه نفسه، وانطوت عليه سريرته؟.

إن ثُلة ممن يسمى بالمثقفين أو المتعلمين أو من تخطى أروقة الجامعات ودرس وعلم فيها، لا يبالون في ألفاظهم ولا يحسنون التعامل مع المخالف وهم قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه من العلم أمر يستحق التأمل والبحث له عن علاج.

لأن المفترض بأمثالهم أن يكونوا قدوة في التعامل مع الناس العالم منهم قبل الجاهل، لأن العالم قدره أرفع من الجاهل وفضل العالم على الجاهل لا يجهله أحد.

فكيف إذا وصلوا لهذا الحال من لمز العلماء وانتقاص مكانتهم والتعرض السيئ لكتبهم، وليت شعري هل يريدون صد الناس عنهم؟ أم التسلق على أكتافهم؟.

وإني لأشفق على هؤلاء حقاً ـ وأسأل الله تعالى أن يشفيهم ـ فهم ما أوتوا هذا وهم مصرين عليه، وقد بين لهم، إلا وفي أنفسهم شيء من الكبر يمنعهم من الحق، ومثل هؤلاء يجب الرد عليهم؛ لأن في هذا صونٌ لهذا الدين ودفاع عنه.

ولا أنسى يوماً ذهبت فيه للمكتبة قبل سنوات ووجدت كتاباً يتحدث فيه مؤلفه ـ ولا أذكر اسمه ـ عن المفسرين فلم يترك مفسراً ـ كابن جرير وابن كثير وغيرهم ـ إلا وشن عليه هجوماً عنيفاً، وأذكر أنه وصف السيوطي العالم الجليل العجيب وقال عنه " ما هو إلا كحاطب ليل جمع الغث والسمين وما كان له من جهدٍ إلا النقل " أو كما قال.

واقرأ مثلاً لهذا الكاتب وهو يتحدث عن الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن الكريم فيقول:

[اسمح لي عزيزي القارئ أن أقف بك على جملة قرآنية من الآية هي قوله تعالى: (ولا طائر يطير بجناحيه) لننظر في هذه الإضافة الاحترازية، وهي قوله تعالى (يطير بجناحيه). لقد مر عن هذه الجملة القرآنية كثير من المفسرين دون أن يتعرضوا لتفسيرها ولا بيان سبب ورودها، واجتهد بعضهم في بيان سببها فجاء بأقوال لا تصح. ومن هؤلاء إمام المفسرين ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ حيث يقول: " فإن قال قائل: فما وجه قوله (ولا طائر يطير بجناحيه)؟ وهل يطير الطائر إلا بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟ ". ثم يبين أن ذكرها إنما جاء من قبيل " إرادة المبالغة جريا على قول العرب في خطابهم: كلّمْته بفمي و ضربته بيدي ". وأما القرطبي في تفسيره فبيّن أنها جاءت: " للتأكيد وإزالة الإبهام، فإنّ العرب تستعمل الطيران لغير الطائر: تقول للرجل: طِرْ في حاجتي ". ولا شك أن هذا التأويل بعيد.

ومع ذلك فإن وقوف الطبري عندها، وغيره ممن حاولوا النظر فيها؛ لدليل على فطنتهم وسعة فهمهم وعمق نظرهم، وإن لم يدركوا سرها فإن ذلك لا ينقص بتاتا من قدرهم ولا يحط من مكانتهم ولا يهوّن من شأن علمهم، لأن علمها في الحقيقة يتجاوز عصرهم ويمتد وراء آفاق مدركاتهم.

نعرف عزيزي القارئ أن الطائر يتميز عن سائر الدواب بجناحيه الذين يمكنانه الطيران، فإذا ذكر الطائر تبادرت إلى الذهن صورته بجناحين اثنين مطويين أو منشورين، يخطر على الأرض أو يحلق في الفضاء. لذلك فإنّ ذكْر الطائر يغني عن ذكر جناحيه. فإذا ذكر الطائر وتلاه ذكر جناحيه فلا بد أن يكون وراء ذكرهما قصد مقصود وهدف منشود. فما هو القصد من ذكر الجناحين بعد ذكر الطائر في الآية السابقة؟ لماذا قال تعالى (ولا طائر) ولم يكتف بذكر الطائر بل جاء بعده بذكر صفته اللازمة قائلا (يطير بجناحيه)؟

الجواب ـ والله أعلم ـ: لأن هناك ما يطير في الفضاء ويحلق في الأجواء ولكنه ليس أمما أمثالنا، وإنما هو شيء مختلف وصنع مختلف، لا يدركه الإنسان العربي القديم في عصره، ولا يعرف عنه شيئا. أما إنسان عصر العلم والتكنولوجيا وغزو الفضاء؛ فإنه يعرفه تمام المعرفة، لأنه رآه بعينه وسمعه بأذنه، وشاهد فعله وأثره، وأدرك خيره وشره. ألا ترى عزيز القارئ كيف تحول الفضاء حول الأرض في هذا العصر إلى شبكة من الخطوط الملاحية التي تطير فيها الطائرات وتعبرها النفاثات محلقة في الفضاء، مختصرة مسافات الأرض، مختزلة أبعاد الزمان. ولكنها كلها تطير مدفوعة بقوة احتراق الوقود. فإذا لم تزود خزاناتها بالوقود النفاث ظلت جاثمة في أماكنها عاجزة عن الطيران. وإذا نفد وقودها وهي في الجو هوت ركاما وأمست حطاما. إن هذه الأجسام الطائرة في جو السماء لا تطير طيرانا ذاتيا بأجنحتها بل بقوة احتراق الوقود، فهل هي أمم أمثالنا؟ ‍‍

تتضح حكمة الله تعالى هنا، ويبرز وجه الإعجاز البياني القرآني بذكر هذه العبارة التي استثنت من طيور السماء كل ما أخرجته مصانع الطائرات العسكرية والمدنية من وسائط النقل الجوي في هذا العصر. ولو لم تأت هذه العبارة الاحترازية الإعجازية (يطير بجناحيه) لكان لقائل أن يقول: إن القرآن لا يفرق بين الكائن الحي والجماد ولا بين الطائر الحقيقي والطائر الصناعي، إذ كيف تكون الطائرات النفاثة والمروحية وغيرها أمما أمثال البشر؟؟ إن هذا لمحال.

لقد كان كافيا للعربي زمن نزول القرآن ليدرك المعنى أن تأتي الآية من غير هذه العبارة التي تساءل عن سر ذكرها المفسرون، ولكن القرآن لم ينزل للعرب فحسب، ولا لذلك الزمان وحده، وإنما نزل للعالمين وإلى يوم الدين. وصدق الله العظيم إذ يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)].

وأمثلة هذا الكاتب كثيرة جداً ولولا ضيق الوقت لأوردت أمثلة أخرى ولكن حسبي من هذا التذكير بأهمية هذا الأمر والوقوف عليه ـ كما قلت ـ للبحث عن الأسباب والعلاج، خصوصاً وأن مثل هذا ممن يدرس في الجامعات ويخرج الأجيال، فأي الأجيال تلك التي ستخرج لنا من تحت يديه؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير