تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(قراءة نقدية في منهج طنطاوي جوهري في تفسيره الجواهر) لحازم محيي الدين]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Oct 2009, 08:08 ص]ـ

يُعد تفسير "الجواهر" آخر مؤلفات الشيخ طنطاوي جوهري، ويمكن اعتباره خلاصة عامة جامعة، ومركزة لكل الأفكار التي أفنى عمره كله في سبيل اكتسابها، ونشرها بين الناس. وفي الحقيقة، فقد بدأت علاقة جوهري بالتفسير في وقت مبكر في حياته، حيث بدأ يفسِّر بعض الآيات القرآنية، ويلقيها على مسامع طلابه منذ أن كان مدرساً في مدرسة دار العلوم، ثم بدأ يكتب بعض المقالات التي تتناول تفسير بعض الآيات الكريمة ممزوجة بالعلوم الكونية الحديثة، وكان يقوم بنشر هذه المقالات في بعض المجلات مثل "الملاجئ العباسية"، وجريدة "المؤيد"، وجريدة "اللواء " [1]، وكان يقوم أيضاً بإعادة نشر هذه المقالات في كتبه التي كان ينشرها في ذلك الوقت [2]. ثم بدا له بعد أن استقال من عمله الحكومي عام (1922م) [3] أنْ يقوم بتفسير كامل للقرآن الكريم من أوله إلى آخره، فأقبل منذ ذلك التاريخ على كتابة تفسيره الذي أعطاه اسما مشتقاً من اسمه الشخصي "الجواهر في تفسير القرآن" على غرار أسلوبه في تسمية معظم كتبه السابقة.

ولقد انتهى الشيخ من كتابة تفسيره بشكل كامل سنة (1925م)، وكان التفسير آنذاك لا يزيد على 11جزءاً، ثم استمر في تنقيحه والإضافة عليه حتى وصل إلى حجمه الحالي أي 26 جزءاً تقع في 13 مجلداً. وقد طُبع في حياته مرتين بين عامي (1925ـ 1935) [4].

وقد أعلن جوهري في مقدمة تفسيره أن هدفه الرئيس من هذا التفسير هو تفهيم المسلمين العلوم الكونية وحثهم على الإقبال عليها والتفوق في دراستها كمقدمة ضرورية لاستئناف المدنية الإسلامية المجهضة [5].

وقد أشار بوضوح تام في مكان آخر أن تجديد الأمة، وترقية الجنس البشري بشكل عام هو الهدف الأخير من وضع هذا التفسير: "وعسى الله أن يُجدد لهذه الأمة أمرها، ويُرجع مجدها، ويرفع عنها نيرها، ويجعلها رحمة للعالمين. اللهم إني لا أريد بكتابي إلا رقي النوع الإنساني، وأن يكون المسلمون أرشد العالمين، وأصلح بني الإنسان، وأن يكونوا قادة وسادة ورحمة لهم لا يظلمون ولا يُظلمون" [6].

وبهذا نفهم أن الغاية الإصلاحية هي الغاية التي هيمنت هيمنة تامة على تفسير "الجواهر"، ومن هنا يحق لنا أن نستغرب كيف تم إغفال دراسة وتحليل هذا التفسير ضمن تفاسير المدرسة الإصلاحية، وكيف تمَّ تصنيفه في مدرسة التفسير العلمي فقط مع أن التفسير العلمي بالنسبة للشيخ جوهري على الرغم من أهميته المركزية لا يزيد على أن يكون الوسيلة الرئيسة للتجديد والإصلاح، وليس هو الهدف الأخير من هذا التفسير.

المنهج وأبعاده الإصلاحية:

قد يكون من نافلة القول الإشارة هنا إلى أن الكلام عن منهج وطريقة طنطاوي جوهري في تفسيره لا يمكن إيفاؤه حقه في حدود هذه الفقرة المحدودة، وكل الذي سنقوم به هنا لا يزيد عن الإشارة العامة إلى أهم العناصر المكونة لهذا المنهج، وهذه الطريقة.

والهدف من هذه الإشارة، هو الاطلاع العام على منهج وطريقة طنطاوي في التفسير أولاً، والوقوف بعد ذلك قدر الإمكان على موقع البعد الإصلاحي في مجمل منهجيته في التفسير. ويجب التنبيه منذ البداية إلى أن طنطاوي جوهري كان يوجِّه تفسيره بشكل رئيس إلى قارئ يدعوه بالقارئ الذكي الفَطِن، فتفسيره يتوجه إلى قارئ معين، نفهم من خلال التفسير نفسه أن هذا القارئ مطلعٌ على الثقافة الإسلامية، والثقافة التاريخية والفلسفية والعلمية المعاصرة، وبهذا يمكن أن نصف مستوى خطابه بشكل عام في التفسير بأنه خطاب نخبة.

ويمكن لنا أن نفهم أن اصطناع جوهري لحوار مع شخص مفتَرض في مواضع كثيرة من تفسيره، كان عبارة عن استباق منه للإجابة على الانتقادات المتوقعة لتفسيره، ومنهجه فيه، وهذا يدل دلالة كبيرة على أن جوهري كان يعي وعياً تاماً بجدة خطابه التفسيري، وتفرّده بمنهجٍ قد يثير الكثير من الاعتراضات عليه من ناحية الشكل والمضمون [7]. ومن المحتمل أن يكون جوهري قد لجأ إلى اصطناع هذه الشخصية التي أنطقها باسم من ينقد أفكاره في مجتمعه، ليعوّض بها نفسه عن حالة التواصل والتفاعل العلمي الكبير التي كان يأمل أن يتلقاه بها المجتمع العلمي في مصر.

ولنبدأ الآن بذكر الخطوط العريضة لطريقته ومنهجه في التفسير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير