تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(الإعجاز العلمي أو الاستيعاب الانتقائي) للدكتور. السيد ولد أباه]

ـ[فهد الناصر]ــــــــ[08 Nov 2009, 07:04 م]ـ

نشر عالم الفلك الجزائري البارز "نضال قسوم" مؤخراً كتاباً نادراً يستحق الترجمة للعربية بعنوان"التوفيق بين الإسلام والعلم الحديث: روح ابن رشد". وكما لا يخفى من العنوان، يتناول الكتاب بالدراسة الدقيقة والتحليل المسهب الإشكالات التي تطرحها التفسيرات العلمية الجديدة للقرآن الكريم التي انتشرت على نطاق واسع في الأدبيات العربية، وأصبح لها مختصوها وأقسامها في الجامعات ومراكزها البحثية ومواقعها الإلكترونية الكثيرة.

وما يريد أن يوضحه قسوم من خلال ثقافته العلمية الرفيعة، هو أن مثل هذه التفسيرات تسيء إلى الدين الحنيف وإلى العلم، لأنها تقوم على مغالطة واهية هي اعتبار القران الكريم كتاباً في العلوم التجريبية، في حين أنه كتابُ هداية وإرشاد وتوجيه للنظر العقلي في آيات الكون، ومن هنا تشجيعه للبحث الموضوعي الدقيق بدل أن يكون مصنفاً في المعارف التجريبية المتقلبة النسبية.

ويرجع المؤلف إلى نظرية التأويل "الرشدية"، التي تقوم على فكرة وحدة الحقيقة واختلاف التعبير عنها بين علوم النص وعلوم الطبيعة، معتبراً أنها تؤسس لعلاقة تكاملية مقبولة وخصبة بين الدين والعلم.

استوقفني في هذا الباب مقال مهم للصديق يوسف الصمعان في صحيفة"الاتحاد" ذهب في المنحى نفسه، مما يعبر عن وعي دقيق لدى علمائنا بضرورة مراجعة أطروحة الإعجاز العلمي السائدة على نطاق واسع في الكتابات الإسلامية. ولا شك أن الخلفية المؤطرة لهذه الأطروحة تتكون من عناصر ثلاثة نشير إليها باقتضاب:

أولها: تأويل خاطئ لشمولية النص المحكم، الذي لئن كان بالفعل تعرض للوجود الإنساني وتفسير نشأة الكون وضوابط السلوك الأخلاقي وأحكام العبادة، إلا إنه لم يفصل القول في فروع الدين، فكيف بالمعارف الوضعية التجريبية التي ليست من تكاليف الشرع ولا أحكامه.

ثانيها: تصور وضعي ضمني يتأسس على افتراض احتكار العلم التجريبي للمعقولية وللحقيقة. والمفارقة البادية للعيان، هي أن هذا التصور تشكل لدى الفلسفات الوضعية الرافضة للدين والساعية إلى استبداله بالعلم التجريبي، بل إن فيلسوف الوضعية الأكبر"أوجست كونت" سعى إلى بناء ديانة وضعية لها شريعتها وطقوسها لتعويض الديانات السماوية التي اعتبرها تناسب المرحلة الميتافيزيقية من تطور العقل البشري، في حين يعبر العلم التجريبي عن المرحلة الوضعية، التي هي أعلى محطات نمو العقل الإنساني. ولقد نفذت هذه المصادرة الوضعية إلى المخيال الجماعي المشترك وأصبحت تشكل مسلمة لا تقبل الاعتراض أو الجدل.

ثالثا: التمييز السائد بين علوم الطبيعة التي يفترض فيها الحياد القيمي والموضوعية والعلوم الإنسانية التي تعكس رؤية حضارية وقيمية مرفوضة من منطلق الخصوصية الإسلامية. ولهذه الرؤية مستويان: يتعلق أحدهما بفكرة الاستيعاب الانتقائي للحداثة باستيراد جانبها العلمي -التقني ونبذ جانبها الثقافي -الفكري، ويتعلق ثانيهما بتأسيس مرجعية حضارية خصوصية للدراسات الإنسانية بالمقاييس العلمية ذاتها. وإذا كانت الأطروحة الأولى قديمة ترجع إلى بواكير عصر النهضة العربية (منذ الطهطاوي وخير الدين التونسي والإمامين الأفغاني ومحمد عبده)، فإن الأطروحة الثانية جديدة نسبياً، وقد تجسدت عملياً في برنامج معهد الفكر الإسلامي بواشنطن ومشروعه الطموح "لأسلمة المعرفة".

هذه الخلفية الثلاثية تطرح نمطين من الإشكالات: إشكالات عقدية وشرعية لا نطيل فيها مكانها في المباحث الكلامية والفقهية، وإشكالات نظرية ابستمولوجية تستدعي وقفة تنبيه وتحليل.

فبخصوص النمط الأول، نكتفي بالتذكير أن المذاهب الكلامية الوسيطة تبنت تصورات بديلة من العلوم اليونانية -الفارسية القديمة التي حافظ عليها الفلاسفة. وتقوم هذه التصورات المتولدة عن التفكير في مباحث الخلق والصفات والعلم على نزعة ذرية تجريبية تبطل العائق الأبستمولوجي الأبرز، الذي حال دون قيام العلوم التجريبيبة الحديثة، وهو النزعة الغائية الحيوية للطبيعة، التي أبطلتها الفيزياء الحديثة وقامت على أنقاضها. ويتفق كبار مؤرخي العلم كالكسندر كويري ورشدي راشد .... على أن إسهام علماء الإسلام الأهم هو تهيئة الشروط الأبستمولوجية الضرورية للثورة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير