تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[وقفات بلاغية مع آية الدعاء في آيات الصيام]

ـ[عبدالعزيز العمار]ــــــــ[11 Sep 2009, 06:15 م]ـ

هذا هو الجزء الثاني من مشاركتي في هذه الآية، فقد كان الجزء الأول حديثاً عن علاقة الدعاء بآيات الصيام، وقد كشفتُ عن تلك العلاقة، وبينتُ سبب ورودها في ثنايا آيات الصيام، وقد كان ذلك لحكمة بالغة، أما هذه المشاركة فهي حديث عن بلاغة آية الدعاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

فأقول وبالله التوفيق:

لم يكن سرُّ هذه الآية يقف عند الحكمة من مجيئها بين آيات الصيام، بل ثمت سرٌّ آخر يتمثل في بلاغتها، وفي لطف وقعها، وهدوء إيقاعها، فالآية كلها ناطقة بسحر إعجازها، وروعة إيحائها، وحسن جرسها، وقد أشار سيد قطب إلى هذه الخاصية، ووقف عند هذه الروعة مشدوهاً فأطلق لقلمه العنان، وأرخى له الزمام، فأتى بالعجب العجاب، يقول عن هذه الآية: ((نجد لفتة عجيبة إلى أعماق النفس وخفاياها السريرة، نجد الغوص الكامل الحبيب المرغوب عن مشقة الصوم، والجزاء المعجل على الاستجابة لله، نجد ذلك الغوص، وهذا الجزاء في القرب من الله، وفي استجابته للدعاء تصوره ألفاظ شفافة تكاد تنير? فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ? أية رقة! وأي انعطاف! وأي شفافية! وأي إيناس! وأين تقع مشقة الصوم، ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود، وظل هذا القرب، وظل هذا الإيناس؟ وفي كل لفظ في التعبير في الآية كلها تلك النداوة الحبيبة ... إنها آية عجيبة، تسكب في قلب المؤمن النداوة والحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين، ويعيش فيها المؤمن في جناب رضيّ، وقربى ندية، وملاذ أمين، وقرار مكين)). (1)

السرُّ البلاغي بأداة الشرط "إذا"

افتُتحتْ الآية بأداة الشرط "إذا"، وفي افتتاحها بهذه الأداة غرض بلاغي يراد تحقيقه في هذا المقام؛ لارتباطه بحث المؤمنين على الدعاء، وترغيبهم فيه، يتجلى ذلك من خلال دلالة الأداة "إذا"؛ ذلك أنها تأتي في الأمور المحقق وقوعها، المتيقن بحدوثها، بخلاف أداة الشرط الأخرى (إنْ)، ولا شك أن مقام الدعاء والترغيب فيه مستلزم هذه الأداة، ومتطلب لها، كما أن في ذلك إشارة إلى تحقق الإجابة، فقد وعد – سبحانه – بذلك، ووعده الحق، ومن أصدق من الله قيلا.

الالتفات في الآية وبلاغته:

وفي توجيه الخطاب في هذه الآية إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله ? وإذا سألك عبادي عني? في هذا التفات، فقد انتقل الخطاب من مخاطبة المؤمنين في قوله ? ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون? إلى مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله ? وإذا سألك عبادي عني ?، فهو التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقد تضمن هذا الالتفات أسراراً بلاغية، تتجلى هذه الأسرار من خلال طريق الالتفات إلى أسلوب المخاطبة، ومن خلال مخاطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المقام، ففي هذا الالتفات تشريف لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وإعلاء من قدره (2)، ورفع لشأنه ومقامه، فلعلو قدره، وارتفاع شأنه توجه الخطاب إليه إشارة إلى هذا المعنى، ودلالة عليه، كما أن من تشريفه - عليه السلام - ومن إعلاء قدره أن يتوجه إليه المسلمون ويسألونه عن هذا الأمر العظيم. (3)

وقد ذُكرتْ هذه المسألة العظيمة من خلال أسلوب السؤال والجواب، ومن خلال الفتوى، وفي ذلك تنبيه للأذهان، وتنشيط لها، كما أن في ذلك إشارة إلى الاهتمام بها، ولفت الأنظار إليها، يؤيد ذلك أن كثيراً من العلماء يفتتحون المسائل المهمة في كتبهم بقولهم (فإن قلت). (4)

والغرض من هذه الآية أن يقتنع المؤمنون بهذه الحقيقة، ويؤمنوا بها، وليعلموا بأنه – سبحانه - ((قريب منهم، ليس بينه وبينهم حجاب، ولا ولي ولا شفيع يبلغه دعاءهم وعبادتهم؛ ليتجهوا إليه وحده حنفاء مخلصين له الدين)). (5)

بلاغة لفظة "عبادي" وإيحاءاتها:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير