تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم أي علامات وحدانيتنا وقدرتنا في الآفاق يعني خراب منازل الأمم الخالية وفي أنفسهم بالبلايا والأمراض. وقال ابن زيد: " في الآفاق " آيات السماء " وفي أنفسهم " حوادث الأرض. وقال مجاهد: في الآفاق فتح القرى، فيسر الله - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموما، وفي ناحية المغرب خصوصا من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات " وفي أنفسهم " فتح مكة. وهذا اختيار الطبري. وقاله المنهال بن عمرو والسدي. وقال قتادة والضحاك: " في الآفاق " وقائع الله في الأمم " وفي أنفسهم " يوم بدر. وقال عطاء وابن زيد أيضا في الآفاق يعني أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها. وفي الصحاح: الآفاق النواحي، واحدها أفق، وأفق مثل عسر وعسر، ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء: إذا كان من آفاق الأرض. حكاه أبو نصر. وبعضهم يقول: أفقي بضمها وهو القياس. وأنشد غير الجوهري:

أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع

وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول، فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين، وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة. وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه. وقيل: وفي أنفسهم من كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في (المؤمنون) بيانه. وقيل: المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفتن وأخبار الغيوب

حتى يتبين لهم أنه الحق فيه أربعة أوجه: [أحدها] أنه القرآن. [الثاني] الإسلام جاءهم به الرسول ودعاهم إليه. [الثالث] أن ما يريهم الله ويفعل من ذلك هو الحق. [الرابع] أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - هو الرسول الحق.


وقال ابن كثير- رحمه الله -في تفسيره: (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد (52) سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (53) ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط (54))

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن: (أرأيتم إن كان) هذا القرآن (من عند الله ثم كفرتم به) أي: كيف ترون حالكم عند الذي أنزله على رسوله؟ ولهذا قال: (من أضل ممن هو في شقاق بعيد)؟ [ص: 187] أي: في كفر وعناد ومشاقة للحق، ومسلك بعيد من الهدى.

ثم قال: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) أي: سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزلا من عند الله، عز وجل، على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدلائل خارجية (في الآفاق)، من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان.

قال مجاهد، والحسن، والسدي: ودلائل في أنفسهم، قالوا: وقعة بدر، وفتح مكة، ونحو ذلك من الوقائع التي حلت بهم، نصر الله فيها محمدا وصحبه، وخذل فيها الباطل وحزبه.

ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى. وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة، من حسن وقبيح وبين ذلك، وما هو متصرف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله، وقوته، وحيله، وحذره أن يجوزها، ولا يتعداها، كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه " التفكر والاعتبار "، عن شيخه أبي جعفر القرشي:

وإذا نظرت تريد معتبرا فانظر إليك ففيك معتبر أنت الذي يمسي ويصبح في
الدنيا وكل أموره عبر أنت المصرف كان في صغر
ثم استقل بشخصك الكبر أنت الذي تنعاه خلقته
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير