وهذا الأمر لا يخفى على أحد من المتخصصين في العلوم الذين تنكشف لهم أدق المسائل بصورة جليّة، وبعد أن يصلون فيها إلى جانب من العلوم يظنون بأنفسهم أنهم جاءوا بأمر لم يأت به غيرهم بسبب الجهد والتكنولوجيا التي اعتمدوا عليها للتوصل إلى ما توصلوا إليه. يجدون في القرآن الكريم ما يدل على وجود هذا الأمر، فإن ذلك إنما يكون دليلا وبرهانا على صدق كلام الله تعالى وصدق كتابه الكريم. والبحوث العلمية المتخصصة في هذا الجانب كثيرة جدا وفي الكلام العلمي والتفسير العلمي لايات القرآن الكريم ما هو في القرون المتقدمة فالأمر ليس جديدا، لكن هذا العصر تميز عن باقي العصور بانكشاف أمور من العلوم لم تكن معروفة للمتقدمين، لذلك فإننا في كل مسألة نجد أن القرآن الكريم إنما جاءت آياته بالغة في الدقة متناهية في الدلالة الصادقة على حقائق الأمور.
هذا ما ننازع فيه أخي الكريم، فنحن نزعم أن القرآن لم ينزل ليبين لنا بعد قرون متطاولة أسرار العلوم التجريبية.
والذي أراه أن هذه البحوث الكثيرة في التفسير العلمي والإعجاز العلمي تغفل أمراً مهماً، هو فقه اللغة، ولو تظرنا إلى ما يزعمونه إعجازاً علمياً وعرضناه على شيء من فقه اللغة كما هي عند علماء أصول الفقه أدركنا مكمن المغالطة التي يقع فيها أرباب الإعجاز العلمي، والتي يكفي فيها أن نقول: إن فهمنا للقرآن يجب أن يكون على معهود العرب الأولين في كلامهم وتصرفهم فيه، وقد أشار إلى هذا الأمر الإمام الشاطبي في موافقاته.
فأين نجد هذا عند أرباب الإعجاز العلمي؟
كل أبحاثهم في هذا الباب، أو ما أعرفه منها يتضمن خروجاً على اللغة، فكيف يستقيم هذا؟
وفي آية ((كأنما يصعد في السماء)) والتي يزعمونها قاطعة في الدلالة على الحقيقة العلمية خير شاهد على ذلك.
حيث استدليت بقول الله تعالى: ((وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً)) (الكهف:17) على أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وليست الأرض هي التي تدور حول محورها. وهذا استدلال في غير محلّه.
لم أستدل بها على أن الشمس تدور حول الأرض، ولكن قلت إنها ظاهرة في هذا المعنى، ولذلك نلتمس العذر للعلماء إذا ما فهموا هذا من لفظ الآية، لأنها ظاهرة فيه.
أما وقد ثبت لدينا بأدلة العقل أن الأرض هي التي تدور حول محورنا، فإننا نحمل كلام الله الوارد في الآية على حركة الشمس الظاهرية، وليس يلزم من هذا أن تكون متحركة على الحقيقة.
ولذلك عجبتُ من قولك أخي الكريم إنك لم تفهم منها إلا معنى واحداً هو دوران الأرض حول محورها فيتعاقب الليل والنهار! وكان سؤالي لك:
أين تجد هذا في الآية؟
فتأمّل أخي الحبيب أوّل كلمة في هذه الآية الكريمة وتأمّل بلاغة القرآن الكريم في الوصف، فهذه الآية بليغة جدا في التعبير حتى أنه يمكن أن تدخل في أعماق فهمها إلى الكثير الكثير من الأدلة البلاغية والعلمية.
فالآية الكريمة تتحدث عن الشخص الذي يرى الشمس، وليس عن حكم دوران الشمس، وما من أحد على وجه الأرض إلا ويرى أن الشمس هي التي تدور؛ ذلك لأنه محكوم بقوانين الأرض والجاذبية وصغر حجمه بالنسبة للأرض وبعد الشمس عن الأرض حتى يراها الإنسان بحجم صغير كل ذلك يهيء للإنسان الظن بأن الشمس هي التي تدور حول الأرض، لذلك نقول جيمعا أشرقت الشمس ولا نقول بأن الأرض أكملت دورة من الغرب إلى الشرق فظهرت الشمس.
فلا يقوم لك بالاستشهاد بهذه الآية دليل أو حجّة على نفي قول من قال بالإعجاز العلمي.
1. إسناد الطلوع والغروب إلى الشمس في الآية يفيده ظاهره أن الشمس هي التي تتحرك.
2. تعاقب الليل والنهار يمكن أن يحصل إما بدوران الأرض حول محورها، وإما بدوران الشمس حول الأرض. (هذا نظرياً).
3. الترجيح بأن تعاقب الليل والنهار سببه دوران الأرض حول محورها، وليس دوران الشمس حول الأرض لا يمكن أن يفهم من الآية، ومن ادعى أنه مفهوم من الآية فقد حمل الآية ما لا تحتمل.
¥