تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

.. وأما أئمة القراءات فإنهم جميعًا اتفقوا على قراءة البسملة في ابتداء كل سورة، سواء الفاتحة أو غيرها من السور، سوى براءة. ولم يُرْوَ عن واحد منهم أبدًا إجازة ابتداء القراءة بدون بسملة.

... وإنما اختلفوا في قراءتها بين السور أثناء التلاوة، أي في الوصل. فابن كثير وعاصم والكسائي وأبو جعفر وقالون وابن محيصن والمطوعي وورش من طريق الأصبهاني: يفصلون بالبسملة بين كل سورتين إلا بين الأنفال وبراءة، وحمزة يصل السورة بالسورة من غير بسملة، وكذلك خلف؛ وجاء عنه أيضا السكت قليلا - أي بدون تنفس - من غير بسملة. وجاء عن كل من أبي عمرو وابن عامر ويعقوب وورش من طريق الأزرق: البسملة والوصل والسكت بين كل سورتين سوى الأنفال وبراءة.

... وكل من رُوي عنه من القراء العشرة حذف البسملة رُوي عنه أيضا إثباتها، ولم يرد عن أحد منهم حذفها رواية واحدة فقط.

... وهؤلاء هن أهل الرواية المنقولة بالسماع والتلقي شيخا عن شيخ في التلاوة والأداء، وقد اتفقوا جميعا على قراءتها أول الفاتحة وإن وصلت بغيرها. قال إمام القراء أبو الخير ابن الجزري في كتاب النشر في القراءات العشر (1/ 262): (ولذلك لم يكن بينهم خلاف في إثبات البسملة أول الفاتحة، سواء وصلت بسورة الناس قبلها أو ابتدئ بها؛ لأنها ولو وصلت لفظا فإنها مبتدأ بها حكمًا؛ ولذلك كان الواصل هنا حالا مرتحلا).

... ولا خلاف بين أحد من أهل النقل وأهل العلم في أن جميع المصاحف الأمهات التي كتبها عثمان بن عفان وأقرها الصحابة جميعًا دون ما عداها: كتبت فيها البسملة في أول كل سورة، سوى براءة، وأن الصحابة رضوان الله عليهم إذ جمعوا القرآن في المصاحف جردوه من كل شيء غيره، فلم يأذنوا بكتابة أسماء السور ولا أعداد الآي ولا (آمين)، ومنعوا أن يجرؤ أحد على كتابة ما ليس من كتاب الله في المصاحف، حرصا منهم على حفظ كتاب الله؛ وخشية أن يشبه على أحد ممن بعدهم فيظن غير القرآن قرآنا، فهل يعقل مع هذا كله أن يكتبوا مائة وثلاث عشرة بسملة زيادة على ما أنزل على رسول الله؟ ألا يدل دلالة قاطعة منقولة بالتواتر العملي المؤيد بالكتابة المتواترة على أنها آية من القرآن في كل موضع كتبت فيه؟؟!

... والقاعدة الصحيحة عند أئمة القراء أن القراءة الصحيحة المقبولة هي: ما صح سنده ووافق رسم المصحف ولو احتمالا وكان له وجه من العربية، وأنه إذا فقد شرط من هذه الشروط في رواية: كانت قراءة شاذة أو ضعيفة أو مردودة. وقد ذهب بعض القراء إلى أن التواتر شرط لصحة القراءة. والحق أن شرط في إثبات القرآن. وأما القراءة فيكفي فيها صحة السند مع ما سبق، وهذا الذي اعتمده إمام القراء ابن الجزري وغيره.

... ولكن لم يخالف واحد منهم في اشتراط موافقة رسم المصحف، وفي أن القراءة التي تخالفه قراءة غير صحيحة ولو صح سندها.

... فإذا سلكنا جادة الإنصاف في تطبيق القواعد الصحيحة على الأقوال والقراءات السابقة، وتنكبنا طريق الهوى والعصبية، علمنا علمًا يقينيًّا ليس بالظن أن القول الذي زعموا نسبته إلى مالك ومن معه - في أنها ليست آية أصلا - قول لا يوافق قاعدة أصولية ثابتة، ولا قراءة صحيحة. وأن قراءة من قرأ بإسقاطها في الوصل بين السور قراءة غير صحيحة أيضًا، لأنها فقدت أهم شرط من شروط صحة القراءة، أو هو الشرط الأساسي في صحتها، وهو موافقة رسم المصحف، وظهر أن الحق الذي لا يتطرق إليه الشك ولا يستطيع مجادل أن ينازع فيه: أنها آية في كل موضع كتبت فيه في المصحف، وأما أنها آية من السور المكتوبة في أولها أو آية مستقلة، فإنه محل نظر وبحث. والذي يظهر لي: ترجيح أنها آية من كل سورة كتبت في أولها، أي من جميع سور القرآن سوى براءة، وأنه لا يجوز لقارئ أن يقرأ أيّة سورة من القرآن - سوى براءة - من غير أن يبدأها بالتسمية التي هي آية منها في أولها؛ سواء أقرأها ابتداء أم وصلها بما قبلها. وهذا الذي اختاره الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عن العلماء، وهو الذي يفهم من كلامه الذي نقلنا آنفا عن كتابه (الأم).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير