تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) أي: تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى: (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) [الطور: 9، 10]، وقال (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) [طه: 105، 107]، وقال تعالى: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) [الكهف: 47].

وقوله: (صنع الله الذي أتقن كل شيء) أي: يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي قد أتقن كل ما خلق، وأودع فيه من الحكمة ما أودع، (إنه خبير بما تفعلون) أي: هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر فيجازيهم عليه.

ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال: (من جاء بالحسنة فله خير منها) - قال قتادة: بالإخلاص. وقال زين العابدين: هي لا إله إلا الله - وقد بين في المكان الآخر أن له عشر أمثالها (وهم من فزع يومئذ آمنون)، كما قال في الآية الأخرى: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) [الأنبياء: 103]، وقال: (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) [فصلت: 40]، وقال: (وهم في الغرفات آمنون) [سبأ: 37].

وقوله: (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) أي: من لقي الله مسيئا لا حسنة له، أو: قد رجحت سيئاته على حسناته، كل بحسبه ; ولهذا قال: (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون).

وقال ابن مسعود وأبو هريرة وابن عباس، رضي الله عنهم، وأنس بن مالك، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وأبو وائل، وأبو صالح، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، والزهري، والسدي، والضحاك، والحسن، وقتادة، وابن زيد، في قوله: (ومن جاء بالسيئة) يعني: بالشرك.


وفي تفسير /
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية
محمد بن علي بن محمد الشوكاني -حمه الله تعالى-

وترى الجبال تحسبها جامدة معطوف على ينفخ.

والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو لكل من يصلح للرؤية، و تحسبها جامدة في محل نصب على الحال من ضمير ترى أو من مفعوله، لأن الرؤية بصرية، وقيل: هي بدل من [ص: 1091] الجملة الأولى، وفيه ضعف، وهذه هي العلامة الثالثة لقيام الساعة، ومعنى تحسبها جامدة أي: قائمة ساكنة، وجملة وهي تمر مر السحاب في محل نصب على الحال أي: وهي تسير سيرا حثيثا كسير السحاب التي تسيرها الرياح.

قال القتيبي: وذلك أن الجبال تجمع وتسير وهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير.

قال القشيري وهذا يوم القيامة، ومثله قوله - تعالى -: وسيرت الجبال فكانت سرابا [النبأ: 20] قرأ أهل الكوفة " تحسبها " بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها صنع الله الذي أتقن كل شيء انتصاب " صنع " على المصدرية عند الخليل وسيبويه وغيرهما أي: صنع الله ذلك صنعا، وقيل: هو مصدر مؤكد لقوله ويوم ينفخ في الصور وقيل: منصوب على الإغراء أي: انظروا صنع الله، ومعنى الذي أتقن كل شيء الذي أحكمه، يقال: رجل تقن أي: حاذق بالأشياء، وجملة إنه خبير بما تفعلون تعليل لما قبلها من كونه - سبحانه - صنع ما صنع وأتقن كل شيء.

والخبير: المطلع على الظواهر والضمائر.

قرأ الجمهور بالتاء الفوقية على الخطاب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الخبر.

من جاء بالحسنة فله خير منها الألف واللام للجنس أي: من جاء بجنس الحسنة فله من الجزاء والثواب عند الله خير منها أي: أفضل منها وأكثر، وقيل: خير حاصل من جهتها، والأول أولى.

وقيل: المراد بالحسنة هنا: لا إله إلا الله، وقيل: هي الإخلاص، وقيل: أداء الفرائض، والتعميم أولى ولا وجه للتخصيص وإن قال به بعض السلف.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير