ومثال ما اختلف فيه المعنيان، وقدم فيه اللغوي بالدليل: قوله تعالى: {) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِم) (التوبة: الآية103)}، فالمراد بالصلاة هنا الدعاء، وبدليل ما رواه مسلم (30) عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بصدقة قوم، صلَّى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى".
وأمثلة ما اتفق فيه المعنيان الشرعي واللغوي كثيرة: كالسماء والأرض والصدق والكذب والحجر والإِنسان.
الاختلاف الوارد في التفسير المأثور
الاختلاف الوارد في التفسير المأثور على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: اختلاف في اللفظ دون المعنى، فهذا لا تأثير له في معنى الآية، مثاله قوله تعالى: {(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الاسراء: الآية23)} قال ابن عباس: قضى: أمر، وقال مجاهد: وصَّى، وقال الربيع بن أنس: أوجب، وهذه التفسيرات معناها واحد، أو متقارب فلا تأثير لهذا الاختلاف في معنى الآية.
القسم الثاني: اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما، فتحمل الآية عليهما، وتفسر بهما، ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل واحد من القولين ذكر على وجه التمثيل، لما تعنيه الآية أو التنويع، مثاله قوله تعالى: {) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (لأعراف:175)) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاه) (الأعراف: الآية176)، قال ابن مسعود: هو رجل من بني إسرائيل، وعن ابن عباس أنه: رجل من أهل اليمن، وقيل: رجل من أهل البلقاء.
والجمع بين هذه الأقوال: أن تحمل الآية عليها كلها، لأنها تحتملها من غير تضاد، ويكون كل قول ذكر على وجه التمثيل.
ومثال آخر: قوله تعالى: {وكأساً دهاقا} [النبأ: 34] قال ابن عباس: دهاقاً مملوءة، وقال مجاهد: متتابعة، وقال عكرمة: صافية.
ولا منافاة بين هذه الأقوال، والآية تحتملها فَتُحمل عليها جميعاً ويكون كل قول لنوع من المعنى.
القسم الثالث: اختلاف اللفظ والمعنى، والآية لا تحتمل المعنيين معاً للتضاد بينهما، فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلالة السياق أو غيره.
مثال ذلك: قوله تعالى:) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة:173).
قال ابن عباس: غير باغ في الميتة ولا عَادٍ في أكله، وقيل: غير خارج على الإِمام ولا عاصٍ بسفره، والأرجح الأول، لأنه لا دليل في الآية على الثاني، ولأن المقصود بحل ما ذكر دفع الضرورة، وهي واقعة في حال الخروج على الإِمام، وفي حال السفر المحرم وغير ذلك.
ومثال آخر: قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) (البقرة: الآية237)} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج، وقال ابن عباس: هو الولي، والراجح الأول لدلالة المعنى عليه، ولأنه قد روي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ترجمة القرآن
الترجمة لغة: تطلق على معانٍ ترجع إلى البيان والإِيضاح
وفي الاصطلاح: التعبير عن الكلام بلغة أخرى
وترجمة القرآن: التعبير عن معناه بلغة أخرى
والترجمة نوعان:
أحدهما: ترجمة حرفية، وذلك بأن يوضع ترجمة كل كلمة بإزائها
الثاني: ترجمة معنوية، أو تفسيريَّة، وذلك بأن يعبر عن معنى الكلام بلغة أخرى من غير مراعاة المفردات والترتيب.
مثال ذلك: قوله تعالى: {) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3)
فالترجمة الحرفية: أن يترجم كلمات هذه الآية كلمة كلمة فيترجم (إنا) ثم (جعلناه) ثم (قرآناً) ثم (عربياً) وهكذا.
والترجمة المعنوية: أن يترجم معنى الآية كلها بقطع النظر عن معنى كل كلمة وترتيبها، وهي قريبة من معنى التفسير الإِجمالي.
¥