تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بفتور ودوار وتعب ذهني وعضلي إلى أن تصل إلى حد التقلصات والتشنجات في جميع عضلات الجسم ومنها العضلات بين الضلوع وعضلة الحجاب الحاجز وعضلات الرقبة والكتفين والبطن المتعلقة باتساع القفص الصدري أثناء الشهيق حينما تتقلص تقلصًا دوريًّا طبيعيًّا فيأخذ الضيق في الازدياد بحدوث التعب العضلي لعضلات التنفس مع الدوار والتعب الذهني، ويزداد القفص الصدري ضيقًا بحدوث التقلصات والتشنجات غير المنتظمة في عضلات التنفس حيث يضطرب اتساع التجويف الصدري أثناء الشهيق كما تضطرب عملية الزفير فوق 18 ألف قدم فيشعر الإنسان بضيق شديد ينتهي به فوق 23 ألف قدم إلى غيبوبة ـ إن كان شخصًا غير متأقلم ـ وقد ثبت أنه يمكن للأشخاص الذين يركبون الطائرات الشراعية غير المجهزة بالضغط الملائم من الداخل أن يطيروا لارتفاع 23 ألف قدم ويكونوا في حالة وعي إلى أن يهبط تركيز الأوكسجين في الدم من 40 إلى 50% عن معدله عند مستوى سطح البحر ـ فيفقدوا الوعي.

كما قد يصاب بعض الأشخاص بوذمة رئوية حادة كنتيجة لتسرب وانتقال السوائل من شعيرات الأوعية الدموية ذات الضغط المرتفع عنها في أنسجة الرئتين والتي يؤدي تجمعها إلى انكماش أنسجة الرئتين تمامًا ويدخل الإنسان إلى الضيق الحرج والذي تنغلق فيه مجاري التنفس انغلاقًا لا ينفذ منه شيء على الإطلاق.

وأهم التأثيرات لحرمان الجسم من الأكسجين في الارتفاعات العالية هو نقص الوظائف العقلية متمثلة في نقص الحكم على الأشياء، فيقل التمييز بين الصواب والخطأ وتنقص الذاكرة والتي هي مخزن المعلومات لديه، ثم يؤدي النقص الشديد في الأكسجين إلى اكتئاب عقلي وتزداد هذه الأعراض بالبقاء في الأجواء العليا وقتًا أطول، فتأمل هذه التأثيرات التي يعاني منها الصاعد في السماء والكافر الذي انغلق قلبه عن قبول الإيمان لتدرك دقة الصورة التمثيلية في هذا التشبيه الرائع. ثم يؤدي النقص الشديد في الأكسجين بزيادة الارتفاع إلى الطبقات الأعلى إلى نقص شديد في كفاءة العضلات الإرادية واللاإرادية في الجسم كله مما يسبب نقصًا كبيرًا في كمية الدم المتدفق إلى الأوعية الدموية نظرًا لضعف عضلة القلب مع السرعة الهائلة في النبض، كما أن عضلات التنفس تتوقف عنها الإشارات العصبية الواردة إليها من مركز التنفس نتيجة لتثبيطه من جراء النقص الشديد في الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون في الدم نظرا لدفقه بكميات هائلة أثناء تهوية الحويصلات (اللهثان) وزيادة حمضية سوائل الجسم، وهذا التثبيط يمنع تنشيط المستقبلات الحساسة في جدر الأورطى والشريان السباتي لمركز التنفس؛ وبالتالي يكف عن إرسال إشاراته العصبية لتنشيط تقلص عضلات التنفس فلا يتسع القفص الصدري ولا تتمدد الرئتان أثناء الشهيق ولا يقل الضغط في مجاري التنفس عنه في الخارج فلا يدخل الهواء محملاً بالأكسجين فيصاب الإنسان بضيق شديد بالغ، وهذا كله مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتبادل الغازي للأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين خلايا الأنسجة وبين الأوعية الدموية الدقيقة وهو ما يسمى بالتنفس الداخلي والذي يؤثر بدوره عبر نظم كيميائية وعصبية عديدة ومعقدة ـ على ما يحتويه الصدر من أعضاء الجهاز التنفسي الخارجي وأعضاء الجهاز الدوري الدموي فيسبب الضيق الصدري والذي تتناسب شدته مع درجة الحرمان من الأكسجين.

3 ـ الحرج (منطقة الانغلاق):

كلما ازداد الارتفاع أصيب الإنسان بأعراض نقص الأكسجين نظرًا لتناقص كثافة كتلة الغازات كلما صعدنا إلى أعلى ويختلف تأثير الارتفاع المفاجئ والحاد عن الارتفاع البطيء والمتدرج على أجهزة الجسم، ويفهم من عبارة النص الكريم (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ) أن المراد هو الارتفاع المتدرج البطيء يؤيده قول القرطبي أن يصعَّد من الصعود وهو الطلوع وأن يتصاعد فيه معنى شيء بعد شيء وذلك أثقل على فاعله، ويتصعد يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء كقولك: يتجرع ويتفوق، فيمكن القول بأن معنى يصعد أو يصّاعد أنه يفعل صعودًا بعد صعود وهو أثقل عليه وأشد، وذلك لأن الصعود البطيء إلى أعلى درجة بعد درجة يتيح للإنسان الشعور بدرجات شدة الضيق عند كل درجة ثم لا يلبث أن تخف حدته بالمكث فترة من الزمن ثم يزداد الضيق بالارتفاع إلى درجة أعلى وهكذا إلى أن يصل لمرحلة ذروة الضيق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير